تموت عادة الكلمات بين السطور وتصيبها برودة غياب النبض بموت كاتبها، فلا ترى نور الحياة، ولا تلمسها أيدي القراء الدافئة، فرحيل الأديب عن الحياة يعنى غالبا موت أعماله التي لم تكتمل ولم يتول هو نشرها بنفسه، ولكن في بلجيكا حطم الكاتب الصحفي مارك سخافيرس هذه القاعدة وقرر تبني أعمال الأديب والفنان الشامل هوجو كلاوس، والتي لم يمكنه الموت من إكمالها، بتوليه نشر الأعمال التي لم تكتمل والأوراق الخفية والقصائد المكتشفة للشاعر والفنان البلجيكي الشهير الذي فارق الدنيا مطلع عام 2008 بعد أن اتخذ قرار موته على يد أطبائه فيما يعرف بالموت الطبي الرحيم" بعد إصابته بداء ألزهايمر. وسيحمل العمل الأدبي الجديد اسم "الغيوم" ويضمنه الصحفي مجموعات من الأشعار والخواطر والقطع النثرية التي خطها هوجو كلاوس في أوراقه الخاصة وكان ينوي نشرها لاحقا، فيما بادرت دار النشر البلجيكية "دى بيزخ" بعرض طباعة الكتاب، على أن يكون بين أيدي القراء في مارس المقبل. ويعتبر سخافيرس هذا العمل نوعا من الوفاء الأدبي لهوجو كلاوس، وتخليدا لذكراه، وحتى لا يحرم قراءه من متابعة آخر ما كتب في حياته، فمن المؤسف وفقا له ألا ترى هذه السطور النور، وأن يكتب للوليد الموت بعد أن انطلقت صرخاته وخرج من ظلمة الرحم ليرى نور الحياة. وهوجو كلاوس أو هوغو موريس جوليان كلاوس (1929 2008) هو أبرز أدباء بلجيكا على مدى خمسة عقود مضت، وهو الابن الأكبر لعامل الطباعة جوزيف، أمضى أكبر وقت من طفولته في مدرسة داخلية تابعة للراهبات بعيدا عن والديه، وعاش في هذه المدرسة وفقا له طفولة بائسة صارمة مليئة بالحرمان، ثم أكمل تعليمة بدراسة العلوم الإنسانية اليونانية اللاتينية جامعة كورتريك أثينيوم الملكية، وكتب الشعر والمسرح، كما عرف كرسام له لوحاته الفنية المميزة، وعرف بشاعر الحزن ، لكتابته أكثر من قصيدة حول طفولته البائسة، فقد عرف بطبيعة مأساوية، كما عرف أيضا بشاعر العشق الدائم لتكرار قصص حبه، وغاص بقلمه في المشاعر الإنسانية كعلاقة الابن بأمه، وعلاقات الحب والكراهية، والعذاب النفسي، والشعور بالذنب، كما كتب عدة قصائد حزينة إبّان الحرب العالمية الثانية. وكان يحب نشر قصائده تحت أسماء مستعارة أبرزها اسم "دورثيا نوسترا"، ومن أشهر قصائده "السكّر"، وقصائد "الحزن من بلجيكا"، والتي سرد في أبياتها وقائع عن حياته العائلية، كما عمل مخرجا سينمائيا، وكاتبا لأكثر من 20 سيناريو أبرزها "قرية على النهر"، و"زاوية الماء"، وحازعلى أكثر من 60 جائزة أدبية وفنية في حياته منها جائزة الأدب واللغة لأكثر من مرة، وجائز ثقافة المجتمع البلجيكي الفلامنكي، وترجم له 38 ديوان ورواية إلى اللغات الإنجليزية، واليونانية واللاتينية والفرنسية والهولندية والإسبانية.