ربما كان ينظر إلى سقوط مشروع القرار العربي في مجلس الأمن الدولي، باستخدام الولاياتالمتحدة الأميركية حق النقض الممنوح لها دولياً، على أنه هزيمة مهينة للعرب، في معركتهم مع التحالف الصهيوني الأميركي من أجل القدس، وبالتالي فإن عليهم طي صفحة المواجهة، والقبول بالأمر الواقع الجديد، باعتبار أن نتيجة المعركة كانت حاسمة، ولا يمكن تغييرها. إلا أن الإصرار العربي على المجاهرة بالرفض الجمعي المستمر للقرار الأميركي، والشروع باتخاذ إجراءات عملية بديلة أخرى، تشعر الآخرين بجدية العرب هذه المرة، لإحباط هذا القرار نهائيا، كان حاسماً. لذلك كان القرار العربي، وهو التوجه لنقل المواجهة إلى أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما طلبوا عقد اجتماع استثنائي لدورة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة، لرفض قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب، إلى القدسالمحتلة، واعتبارها العاصمة الأبدية للكيان الصهيوني، كان خيارا موفقا. وفعلاً فقد نجح العرب في هذا المسعى الجاد، بكسب الرأي العام العالمي، حيث تم إصدار قرار حول القدس بأغلبية الثلثين، تم بموجبه اعتبار قرار ترامب حول القدس، أو أي قرارات أحادية أخرى، من أي جهة كانت باطلة، وملغية، وليس لها أي صفة قانونية. فكان ذلك نصرا حقيقيا له أكثر من مغزى، بما أفرزه من عزلة حقيقية للولايات المتحدة الأميركية في الساحة الدولية، تشكل بداية انحدار مسارها الحضاري، ناهيك عما أضافه للقضية الفلسطينية برمتها من زخم دولي مؤازر، باعتبارها قضية أمة مضطهدة، تناضل لتحرير أرضها المحتلة منذ عقود طويلة. وبالطبع فإن العرب ما زالوا يمتلكون في جعبتهم كثيرا من عناصر القوة، في ترسيخ هذا الرفض الدولي للقرار الأميركي الأرعن، والوقوف بوجهه بقوة، بما لديهم من طاقات كامنة أخرى، في مقدمتها مقاطعة أميركا اقتصاديا، وكل الدول التي تستجيب لهذا القرار، وتشرع بنقل سفارتها إلى القدس، والتحرك المكثف لمطالبة الدول الصديقة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ناهيك عن استخدام البعد الجغرافي الاستراتيجي للوطن العربي، وتوظيف العمق الشعبي الإنساني في هذا المجال، لحمل الإدارة الأميركية على التراجع التام عنه، وذلك تواصلا مع متطلبات الانتصار لحقهم التاريخي في التمسك بأرضهم، والسعي لتحريرها من قبضة الاحتلال الصهيوني الغاصب. وبهذا الانتصار الدولي للقضية الفلسطينية، فإن قضية القدس، والقضية الفلسطينية، لم تعد مجرد قضية تهم الفلسطينيين، أو العرب أو المسلمين لوحدهم، فحسب، بل إنها أضحت قضية الإنسانية برمتها، وتهم الجميع في كل أنحاء العالم.