ودع الفنان السعودي أبوبكر سالم بلفقيه الذي يلقب ب(أبو الغناء الخليجي)، الساحة الفنية أمس عن عمر 78 عاما قضاها بعد رحلة مليئة بالعلم والفن، إذ يعتبر بلفقيه أحد أهم رواد الطرب الأصيل، والمغني على مر العقود للطرب والموسيقى في الوطن العربي بأسره، وأحد أعظم الأصوات في العالم، حيث تشرب الفن والأدب من أنقى ينابيعه الأصيلة، وغدا علما من أعلام الفن الحضرمي خاصة والعربي عامة، وأسس لنفسه مدرسة خاصة سميت باسمه وتتلمذ على يده جيل بأكمله. ظهرت مواهب أبوبكر سالم الفنية منذ صباه. واشتهر كمنشد للموشحات الدينية، إضافة إلى ولعه بالأدب والشعر وحبه الكبير للغناء الذي مارسه بشكل رسمي بعد الإنشاد، غادر مدينة تريم مسقط رأسه في مقتبل شبابه واستقر في مدينة عدن في منتصف الخمسينات، وكانت عدن آنذاك تشهد نهضة فنية كبيرة، التحق بالوسط الفني كعازف إيقاع لعدد من الفنانين، وهناك تعرف بالكثير من شعرائها وفنانيها وإعلاميين من أمثال الشاعر لطفي جعفر أمان والفنان أحمد بن أحمد قاسم ومحمد سعد عبدالله ومحمد مرشد ناجي، والشاعر والإعلامي فضل النقيب وغيرهم. حفلات موسمية قدم أبوبكر نفسه على الصعيد الفني من خلال الحفلات الموسمية التي كانت تُقام في عدن، وحقق نجاحا باهرا ليفتح له الحظ أبوابه وتعرض حفلاته مسجلة ومباشرة في تلفزيون عدن، ثم الإذاعة التي بشرت بقدوم موهبة غير عادية. وكانت من أوائل أغانيه «يا ورد ماحلى جمالك» من كلماته وألحانه وسجلها في إذاعة عدن عام 1956 والتي غناها بعد ذلك الفنان طلال مداح. ثم بدأ بتأليف بعض الأغاني كلمات ولحنًا، ومنها أغنية (لما ألاقي الحبيب) التي غناها لإذاعة عدن عام 1376/ 1956، بمصاحبة عازف العود الفنان (أنور أحمد قاسم). وفي عام 1958 غادر إلى بيروت وكانت إقامته شبه مستقرة هناك في حي الروشة، وسجلت معظم أعماله الفنية في تلك الحقبة هناك، واستطاع من بيروت أن يوسع انتشاره إلى جميع أنحاء الوطن العربي، إلا أنه غادر بيروت في عام 1975 بسبب الحرب الأهلية هناك، وعاد إلى عدن لمدة قصيرة وغادرها ليستقر بعدها في مدينة جدة، وبعد النجاح الذي حققه أبو بكر سالم بلفقيه في تلك الفترة بعد عام 1958. مدن ومحطات خرج أبوبكر سالم في أعماله الفنية عن الإطار المحلي إلى الإطار العربي حينما سافر إلى مدينة بيروت وقام بتسجيل عدد من أغانيه الجديدة، وأعاد تسجيل عدد من أغانيه الذي سبق تسجيلها لإذاعة عدن وتوزيعها موسيقيًّا، وشارك في عدد من الحفلات في دول الخريج العربي، وأشهر أغانيه التي ظهرت في هذه الفترة (24 ساعة) التي نال عليها الكاسيت الذهبي من إحدى شركات التوزيع الألمانية لتوزيعها أكثر من مليون نسخة من هذه الأغنية، و(الحلاوة كلها من فين) وعدد من أغاني الشاعر (أمان)، و(المحضار)، وظل يتنقل بين بيروت ومدينة عدن مدة، ثم انتقل عام 1387/ 1967 إلى مدينة بيروت فاستقر فيها، وغنى له في هذه الفترة عدد من المطربين اللبنانيين، ومن أشهر أغانيه في هذه الفترة: (كل شي إلا فراقك يا عدن)، و(يا طائرة طيري على بندر عدن)، ثم انتقل إلى الكويت، فعاش فيها مدة، انتقل بعدها إلى مدينة الرياض، فاستقر فيها، وغنى للسعودية عددا من الأغاني مثل: (يا مسافر على الطائف)، و(إلا معك في الرياض)، و(برج الرياض)، و(يا بلادي واصلي)، كما غنى لكل من الملكين (خالد بن عبدالعزيز)، و(فهد بن عبدالعزيز). بين جدةوبيروت بعد الظهور الملحوظ لنجم أبوبكر على مستوى الجزيرة العربية بدأ رحلاته المكوكية بين جدةوبيروت الذي سجل فيها مجموعة أسطوانات «أربعة وعشرين ساعة» و«درب الطائف» و«الجبال السود» و«يا عين لا تذرفي الدمعة» وأغنية «فالي باتوب» التي غنتها الفنانة هيام يونس، وتلتها أعمال أخرى فيما بعد من أغنياته الجميلة. وقدم أبوبكر العديد من الألوان مثل اللون الحضرمي، والدان الحضرمي، من شاعر حضرموت الكبير «حسين أبوبكر المحضار» وشعراء وملحنين آخرين، كما قدم بعض الأغاني ذات الطابع العدني والصنعاني من كلمات لطفي أمان ومحمد عبده غانم وآخرين، إلا أن اللون الحضرمي يعتبر اللون الخاص والمفضل له. على مدى خمسين عاما شكل أبوبكر سالم ثنائيا مميزا مع الشاعر الراحل حسين المحضار الذي كان أعذب ما يكتبه يغنيه الفنان أبوبكر سالم الذي تألق هو الآخر وأبدع في غنائها. غنى لأبوبكر سالم الكثير من الفنانين العرب وعلى مدى العقود مثل نجاح سلام ونازك ووردة الجزائرية وطلال مداح وعبدالله الرويشد. كما غنى خلال مشواره الفني العديد من الأغاني والأناشيد الوطنية الرائجة في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.