ما إن تذكر كلمة فساد حتى يخطر على البال تلك الصورة المعتادة في شكل موظف فاسد، وهدر مالي ضخم، والتزام غير أخلاقي. ولكن، أليس هناك فساد من نوع آخر، وفي مكان آخر؟ حين أرى بعض الإعلاميين يتحدثون عن الفساد بشراسة أتساءل لحظة: هل إعلامنا بعيد عن الفساد؟ أم إن مجرد بعض الفساد في الإعلام بات أمرا طبيعيا؟ أكثر ما يشوب إعلامنا هو المحسوبية التي ألقت بظلالها على كل شيء، فجعلت من الإعلام ساحة يتجمع فيها المشهور والمعروف والمشهود له، فلا يعتمد على ما يعرف ولا على ما قد يقدم من أفكار، بل إن بعضهم جعل من لقب إعلامي صفة لصيقة بشخصه، وما نراه أحيانا من لا مهنية، أو نسمع من تلعثم الحروف، أو تقرأ أخطاء إملائية فادحة، تجعلنا نسأل: ما لهؤلاء وما الإعلام من صلة؟ وعند الحديث عن الفساد في الإعلام، فهو قائم على لغة المصالح المشتركة، ونظام «اللي أعرفه أحسن من اللي ما أعرفه»، فبالتالي لا نرى أي جديد أو تطوير في العمل الإعلامي الذي أصبح إما عرضا أو مجرد تكرار. عند الحديث عن الفساد في الإعلام، فإننا نتكلم عن الاختلافات، أصبحت خلافات أثرت بشكل أو بآخر على النقد الذي أصبح عند البعض شخصيا، وليس فنا أدبيا. عند الحديث عن الفساد في الإعلام، فإننا نتكلم عن علاقات عامة وصلات مستمرة يكون العمل بها وخلالها، وهذا ما جعل طبيعة العمل في الإعلام تعتمد على من تعرف من شخصيات، وليس على ما تعرف من معلومات. لذا، نجد أن المحسوبية جمعت لنا كل ما هو غريب ومتناقض في مسمى إعلام، وحين يكون الحديث عن الفساد في الإعلام، لا بد أن نتكلم عما نراه من بعض الحسابات الإلكترونية التي لا تقدم أي محتوى سوى مسابقات وهمية تخدع الناس، خلال جوائز نقدية أو عينية فاخرة، الهدف منها أكبر عدد من المتابعين في صورة إذلال إعلاني مقصود، يستغل حاجة الناس إلى تلك الجوائز خلال انتظار السحوبات، والعجيب لا حسيب ولا رقيب لتلك الحسابات التي بات عملها أشبه بعمل العصابات، تسرق أحلام الناس وتأخذ منهم أوقاتهم مقابل وعود كاذبة لا تُحقّق. حين يكون الحديث عن الفساد في الإعلام، فإننا نتحدث عن تلك الأقنعة الإعلامية عند البعض، وتعدد الوجوه والابتسامات الصفراء، واللقاءات المصطنعة، ولكن بمجرد أن تُطفَأ الكاميرات وتُغلَق الإضاءات ويسقط الستار، تجد أن الكل عاد إلى طبيعته التي تكون في بعض الأحيان بشعة. وحين يكون الحديث عن الفساد في الإعلام، فعلينا أن نتحدث عن العرف الإعلامي، وهو أن كل مشهور هو إعلامي بغض النظر عن مؤهلاته وماذا يقدم، لدرجة أننا نجد في بعض الأحيان أن البعض يشبه البعض. وعند الحديث عن الفساد في الإعلام، نجد أن أهم ما يملك الشخص هو عدد المتابعين، والذي أصبح أهم أدوات التقييم، وأحد عناصر النجاح، ولا مانع من بعض التلاعب بها أحيانا حتى يبدو الأمر منطقيا، ولأن التعميم هو لغة الجاهل -وهذا رأيي بكامل الحياد- إن البعض وليس الكل يعاني من الفساد في الإعلام. لذا، لا بد أن يكون هناك تنقيح وتصفية للإعلام من الشوائب حتى يكون الإعلام بصورته الحقيقة أداة وأمانة نستطيع خلاله محاربة الفساد، ونشر الوعي بين الناس بصورة أفضل، للقضاء على المحسوبية التي ما هي إلا شكل من أشكال الفساد وليكن شعارنا، لا أحد فوق الجميع، وكلنا معا في خدمة الوطن خلال إعلام هادف.