نعمة جامع ما إن يقع حدث أو ينتشر مقطع سواء أكان سلبا أو إيجابا إلا ويبدأ بعده على وسائل التواصل الاجتماعي التعليق كالعادة بصورة تجعل من الكل يتكلم عن الكل، بمعنى أن الموضوع يطرح مرارا وتكرارا وبأكثر من وجهة نظر، وما أن ينتهي الموضوع إلا ويبدأ الآخر وعلى نفس النمط يبدأ التكرار من جديد لدرجة أن البعض أصبح ينتظر (آخر هرجة) حتى يستطيع البدء بما يسمى الثرثرة الإلكترونية مجددا. بل إن البعض قد يجعل من نفسه مادة إعلامية حتى يلفت الانتباه ويحظى بأن يكون من المشاهير مهما كانت الطريقة، لاعتقاده أنه بمجرد الظهور ومتابعة الكثير يصبح مشهورا!! والحقيقة أن الكثير يفهم الشهرة بطريقة خاطئة، الشهرة تأتي من خلال موهبة وسبب وليس مجرد فعل، ولأن الجميع أصبح يهتم بتتبع الأرقام أكثر من تبادل الأفكار، هذا ما جعل من الشهرة هوسا اجتماعيا، ليس ذلك فحسب، بل أصبحت وسائل التواصل أداة للتناحر، وأسلوبا للتفاخر، وسيلة للتشاجر وفرض الرأي بدلا من عرضه، وتحولت فجأة من مجموعة حسابات إلى تصفية حسابات شخصية، وانتشر الجدل بشكل واسع على أساس أنه نقاش صحي، والغريب أنه عقيم لا فائدة تذكر منه، وبسبب هذا الجدل أصبحت ساحات التواصل الاجتماعي تعج بشخصيات متصارعة جعلت من الحديث سببا للعراك، ويتطور الأمر ليتحول من جدل قائم إلى جلد بكلمات أو بكدمات، حتى أصبحنا نرفض الاختلاف عن الآخر وكأننا نبحث لأنفسنا عن أشباه وليس أروح تعيش معنا. وما نشهده في الفترة الأخير من كثرة سلبيات وسائل التواصل، لا يعني أنها تخلو من الإيجابيات، لأن ذلك يعتمد على طريقة الاستخدام، وهذا ما يجعل المحتوى أفضل. المحتوى عبر وسائل التواصل ما هو إلا نقل حي وبث مباشر مع فائق الاحترام لكثير مما يعرض، وقد يتفق معي البعض أو يختلف أننا نعاني من شح في الأفكار وفقر في المحتوى وتكرار فيما يقدم، والسبب ليس في القدارات أو الإمكانات بقدر ما هو قلة وعي أو سوء إدارك لما يعرف بالقيمة الإعلامية. لذا لابد من تنقيح المحتوى وتشكيله بإبداع حتى لا نتفاجأ (بآخر هرجة)، لأننا نرى جيلا كاملا من المدرعمين أصبحوا محللين وناقدين.