«حدثني ثقة».. يعرف منهم في عمري من الشبان والفتيات في السعودية تلك العبارة جيدا، حيث تسللت إلى مسامعنا منذ سنوات من أفواه بعض المتشددين والجهلاء الذين يُعرفون أنفسهم بأنهم دعاة، حيث يستخدمونها في وعظهم الهزلي لغسل أدمغتنا وتمرير أفكارهم الظلامية، ويرددونها قبل رواية أي قصة من قصصهم الخرافية التي لا يصدقها عقل ولا يقبلها منطق، بعضنا كان يصدق ما يقال بعد تلك العبارة إما لصغر سنه أو لحسن نيته، أو لتدني معرفته، أو لاعتقاده أن من يقوم بمسرحية الوعظ الهزلي تلك يعد من أهل العلم والسماحة والتدين ولا يكذب أبدا. لطالما أوهمونا مذ كنا مراهقين بأن هناك فتاة ماتت وهي ترتدي البنطال ولم ينسلخ عن جسدها ودفنوها وهي ترتديه، وبأن هناك أخرى ماتت وهي ممسكة بجهاز ال«ريموت كنترول» ولم يستطيعوا تحريره من يدها فدفنت وهي ممسكة به، وبأن الثعابين والنيران تخرج من قبر أحد الفنانين، وبأن فتاة تحولت إلى مسخ لأنها كانت تستمع إلى الغناء. لكن الوعي اليوم أصبح كبيرا، حيث سقطت أقنعتهم، كما أن تدخل الدولة لمنعهم من اعتلاء المنابر أسهم في رفع الوعي وفي إدراك خطورة طرحهم على عقول صغارنا، حيث إن الوعظ بالكذب والصراخ والاستخفاف بالعقول وذكر بعض المعلومات التي لا تستند على أساس علمي، والبعد عن العلم والثقافة في الطرح، يتنافى مع آداب وضوابط الوعظ، ويتسبب في تنفير الناس من الدين وتخويفهم وتلويث أفكارهم، كما أن له آثاره السلبية على المجتمع حيث يتسبب في تخلفه. وداعا عبارة «حدثني ثقة» لم يعد لك مكان في سعوديتنا الجديدة التي نعمل جميعا على تنقيتها من كل ما يعكر صفوها ويتنافى مع دستورها القائم على كتاب الله وسنة نبيه، أصبحنا نثق في عقولنا أكثر من ثقتنا بأولئك الذين يطلقون الكثير من الصرخات المزعجة والأكاذيب بعد النطق بك، لم نعد نصدق قصصهم حين يستخدمونك كبوابة عبور لتمريرها إلى أدمغتنا، فالدين بريء مما يقومون به، والوعظ لا يكون إلا باللين والصدق والحكمة.