تعيش فتاة نزيلة في دار رعاية معاناة حقيقية تتمثل في رحلة بحث مضنية وطويلة عن هويتها لإكمال زفافها، حيث مازالت مخطوبة منذ أربع سنوات، بانتظار إصدار هوية وطنية لها، وعلى الرغم من محاولاتها ورحلاتها المكوكية في أروقة ودهاليز الجهات الحكومية للحصول على بطاقة الأحوال التي ستغير مجرى حياتها، وعلى أقل تقدير تسمح لها بالزواج وتكوين أسرة، إلا أن جهودها تصطدم بعقبة الروتين وبيروقراطية الأنظمة والتعليمات التي لا ترحم. فتحت (س) عينيها على شهادة ميلادها فاطمأن خاطرها لوجود بياناتها الواضحة والمثبت فيها اسم الأب وجنسيته، وكذا اسم الأم وجنسيتها، ولكنها رغم كل ذلك لا تعلم عن مكانهما شيئا، ولماذا تربت هي بجمعية البر الخيرية. تقول (س) نشأت بين جدران جمعية البر وسط قريناتي، لا أعلم من أين جئت، ولماذا أنا هنا، ولا أين أبواي، وما هي القصة بالضبط.كانت مشرفة الدار أمي والمسؤول في منزلة الأب، إلى أن وصلت إلى نهاية المرحلة الثانوية، عندها سألتني المشرفة عن بطاقة هويتي لإتمام أوراق التخرج، عدت للجمعية وكانت الصاعقة الكبرى، حيث أخبرتني المشرفة بتفاصيل قصتي وسر بقائي بينهم كل تلك السنين. وتضيف (س) أخبرتني المشرفة أن والدتي تم ترحيلها لبلدها اليمن بدون الطفلة التي كانت على يدها وهي أنا في تلك الفترة، بعدها تولتني وزارة الشؤون الإجتماعية، ومن ثم جمعية البر، وكما هو الحال مع من هن في مثل وضعي، أصدرت لي شهادة ميلاد دون عليها اسم الوالدة، وجنسيتها (يمنية)، ودون اسم الوالد تحت عبارة"بدون". وتتساءل (س) بحسرة، هل تلك البيانات حقيقية وتم التأكد منها في حينها، وما مصير وحقيقة شهادة الميلاد التي بحوزتي والتي فيها اسم الأب واضحا وكذا جنسيته؟. وأضافت "تمنيت لو أنهم عندما وجدوني رضيعه تركوني لألاقي مصيري في الشارع، أو تركوني أذهب مع أمي، فهذا أهون من أن يتركوني أعيش كميتة بدون هوية، ولسنوات طويلة عشت محرومة في دار الأيتام من بطاقة ضمان اجتماعي، أو أية إعانات تتمتع بها كل الفتيات بالدار، ولم أقبل في الجامعة رغم تدخل وزير الشؤون الاجتماعية، لعدم حملي هوية وطنية. وتمضي (س) بسرد معاناتها قائلة: منذ أربع سنوات خطبت لشاب من نفس الدار، ولكن للأسف بدأ خطيبي يمل الانتظار، فمشكلة حصولي على الهوية بدت وكأنها من المستحيلات، رغم أنني لجأت للجهات في الأحوال المدنية وغيرها، ولكن بدون فائدة فأنا معلقة بين الأرض والسماء لا أهل لا وطن، ولا زوج ولا أعلم متى ستحل مشكلة الهوية. وأكدت (س) أنها لم تقتنع بالعرض الذي قدمته لها الشؤون الاجتماعية بمنحها إقامة نظامية، مطالبة بالنظر إلى وضعها كأي مواطنة. وقالت "طلبت مني الشؤون الاجتماعية الذهاب لأي مستشفى لعمل كشف الوافدين، لإصدار بطاقة إقامة، وهو ما لم أقتنع به تماما، فأنا ابنة هذه الأرض وهذا بلدي الذي لم أعرف غيره، وليس لي ذنب، ولماذا أتحمل أخطاء الآخرين؟". مدير فرع الأحوال المدنية بمنطقة مكةالمكرمة المكلف (غازي البشر)، أوضح ل "الوطن" أن الأيتام في دور الرعاية تصدر لهم بطاقة أحوال عن طريق الشؤون الاجتماعية، أما في حال اليتيمة (س) فقد رفعت معاملتها برقم (3763) إلى الرياض لاتخاذ الإجراءات اللازمة للموافقة على منحها الجنسية السعودية، باعتبار أن والدتها أجنبية ووالدها مجهول الهوية، وتعامل معاملة ذوي الظروف الخاصة، التي تسمح لها بالحصول على الهوية الوطنية. أما مديرة فرع وزارة الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكةالمكرمة نورة آل الشيخ، فأكدت "أن مشكلة الفتاة تتمثل في الهوية، والنظام أعلى من الجميع، فأم الفتاة جنسيتها أجنبية، وبالتالي هي أيضا تتبع جنسية والدتها، وقد حصلت الآن على الموافقة بالإقامة وانتهت تقريبا مشكلتها بصدور الإقامة النظامية، وهناك إجراءات قانونية للتجنس، وسنتابع أوراقها مع جهات الاختصاص".