تعد منطقة جازان أعلى المناطق في المملكة من حيث الكثافة السكانية، فهي سادس أكبر منطقة بالمملكة حسب التعداد السكاني الأخير، وثاني أصغر منطقة من حيث المساحة، ويبدو أن الشؤون الصحية بالمنطقة تسعى من حيث لا تعلم للتخفيف من هذه الكثافة بسوء خدماتها، بوضع المرضى أمام خيارات صعبة أو الهجرة لخارج المنطقة بحثاً عن خدمات صحية أفضل. لا يكاد يمر يوما دون أن تطالعنا الصحف المحلية بحالة خطأ طبي أو إهمال أو انفلات في الخدمات الصحية في المنطقة، ولعل أشهرها وليس آلمها ولا آخرها حادثة الطفلة التي نقل لها بالخطأ دم ملوث بالإيدز، وأخطاء تتعلق بتسليم المواليد، وحادثة حريق مستشفى جازان العام والتي اكتملت كارثيتها باشتراط تسليم الجثامين لأهاليهم بالتوقيع على إقرار أن الوفاة طبيعية وبمستشفى آخر، إضافة إلى ابتكار تحويل ثلاجات الخضار لحفظ الجثث، غير الفظاعات والتجاوزات الإدارية كما في قضية اللوكم الشهيرة التي كشفت تفاصيلها «عكاظ» في حينه، وما خفي كان أعظم. والآن يطل علينا حدث جديد بتعثر مشروع مستشفى الولادة بجازان والذي اكتفت الشؤون الصحية بتوجيه إنذار للمقاول في الوقت الذي يفترض فيه تسليم المستشفى، ولم يكن هذا الإنذار ليظهر لولا مطالبات المواطنين عبر تويتر، وتفعيل الهاشتاق الذي وصل للترند العالمي، ويتبادر التساؤل أين كانت الشؤون الصحية من متابعة المشروع من بدايته بتوجيه إنذار في كل مرحلة تأخر؟ هذا المستشفى الذي تبقى من حلم المدينة الطبية التي تفتتت إلى مستشفيات صغيرة متناثرة على الورق. المدينة الطبية التي كانت ستوفر على الوزارة مصروفات هائلة في علاج المرضى خارج المنطقة، وتوفر الجهد على المرضى المسافرين المتكدسين كل صباح في المطار بحثاً عن العلاج خارج المنطقة، والذين خنقتهم الشؤون الصحية مؤخراً بحجة عدم توفر ميزانية كافية في بند الإركاب، مما اضطر القادرين منهم على السفر على حسابهم، بينما لزم غير القادرين فرشهم. فيما اضطر بعض المواطنين للهجرة إلى خارج المنطقة بحثاً عن علاج أو تأهيل، وحسب علمي حتى قبل سنتين لم يكن بالمنطقة التي قارب عدد سكانها مليون ونصف المليون مواطن عيادة واحدة لأمراض النطق والتخاطب. ولحل هذا العبث الصحي في جازان لابد من العمل على جانبين، الأول يتعلق بوزارة الصحة، وذلك بتغيير كل مفاصل العبث في صحة جازان، فرغم تغيير الكثير من مديري الشؤون الصحية بالمنطقة، والوزراء المتعاقبين، لكن الوضع لم يتغير، ولن يكون التغيير إلا بتفعيل دور الجهات الرقابية بما فيها إمارة المنطقة في المتابعة المستمرة للوضع الصحي بالمنطقة. الجانب الآخر تفعيل دور المواطن الرقابي، من خلال تعرفه على حقوقه الكاملة، والتبليغ عن كل قصور بالرفع به لوزارة الصحة التي سهلت ذلك باستحداث الرقم (937)، والمطالبة بالشكل النظامي الصحيح، فما يحدث للأسف من أبناء المنطقة هو إفراط وتفريط، فتجده يأخذ الأخطاء والإهمال ببساطة تحت مصطلح (مشي حالك)، أو يطالب بشكل خاطئ فينقلب من مطالب بحق إلى مطلوب. خاتمة: اتخاذ الطرق الرسمية الصحيحة لكشف الأخطاء سلوك حضاري ينعكس على المنطقة بالكفاءة والجودة في الخدمات المقدمة.