أول درس تعلمته في «عمليات الضرب» بالصف الثالث الابتدائي، ما زلت أذكر تلك «العلقة» بالمسطرة الخشبية، لمّا أخفقت في الإجابة عن سؤال في جدول ضرب «3» من معلم مادة الحساب الأردني الأستاذ محمود عفارة، جزاه الله عنا خير الجزاء حيا وميتا، حتى ظننت أن رسومات المسطرة طُبعت على جسدي من شدتها، بعدها لم تخذلني إجابة عن سؤال في جدول الضرب حتى تخرجت في الجامعة، بل إن مادة الحساب في الرابع والخامس التي يهابها الطلاب، كنا شربناها شربا. عبارات: «شاطر يا واد يا حسين» «عشرة على عشرة يا واد يا زاهد» «برافو يا واد يا فاضل» فأوسمة شرف نتسابق عليها أنا ورفاقي: حسين مريع، وعلي جبلي «رحمه الله»، وإبراهيم حسن الأخن، وعلي كريت، وإبراهيم عبسي، وغيرهم. أما «ممتاز» -وما أدراك ما ممتاز- خاصة إذا كانت بالإمضاء الأحمر بقلم المصري الفذ الأستاذ أحمد المتبولي -جزاه الله عنا كل خير حيا وميتا- فكان يفعل فينا فعل السحر! وفي الصف السادس كان العبقري السوداني الأستاذ عبدالله عكام للحساب والهندسة، ومن الأول حتى الثالث متوسط للرياضيات الجديدة، بعد أن دمجت فيها الحساب والجبر والهندسة، خير معلم، فصنع منا أباطرة في الرياضيات، لن ننساه أبدا. أذكر أنني أحصيت له 115 كلمة «يا اخونا» بلكنته السودانية التي تدمج الغين بالخاء طوال الحصة. الأستاذ ناصر مشبري، رغم السياط التي كان يلهبنا بها عند تقصيرنا في الجغرافيا أو التاريخ في الخامس والسادس، فلم تمنع خيزرانته حبنا له ودموعنا، لمّا انتقل إلى مدرسة أخرى، فعوضنا الله بالمصري أحمد العجمي، فأَهَّلَنا في العربية ليستلمنا منه عثمان نوفل من الأول إلى الثالث متوسط، فعلمنا وأحسن تعليمنا، رغم أن شغب إبراهيم لابصي والصرخي والغزاوي وجبروت و«الليور» يرفعون سقف عصبيته إلى أكثر من 1000 درجة فهرنهايت. وإن نسيت، فلا أنسى لمعلمي عثمان نوفل أنه فوق ما علمني اللغة علمني أيضا كيف أدخل المكتبة وأختار كتابا ثم أقرؤه وأُلخّصه في مقال، فعلت ذلك في الثاني متوسط، فاخترت كتابا اسمه الألوان، وقدمت خلاصة ما فيه في كلمة إذاعة طابور الصباح. حفظ الله أبا نوفل ومتعه بالصحة والعافية، وجزاه عنا خير الجزاء. أما الشيخ محمد موسى عقيل، فلم يكن معلما ضليعا في التربية الإسلامية فحسب، بل كان الأب الحاني والمؤدب اللطيف، وليت ابنه علي جبلي حيّا ليروي لكم من القصص ما لا تقل طرافة عن «مدرسة المشاغبين». وعن السوداني عوض الحسين، ذلك الأسطورة الأنيق شكلا، الفاخر الزاخر علما وأدبا وكفاءة في تدريس الإنجليزية، فقصة حب لا تكفيها السطور، فقد صنع منا مذيعين باللغة الإنجليزية في طابور الصباح، وما زالت وصاياه التربوية والتعليمية نورا نهتدي به كلما غمت علينا ظلمة الحياة. في الصف الثاني متوسط، دخل علينا ذلك الشاب الأنيق الذي يغالب وجهه بياض غترته وثوبه، يسبقه عطره الفواح لما جاء لزيارة صديقه معلمنا في التاريخ والجغرافيا الأستاذ حسن هلالي «رحمه الله»، الذي عرفه لنا بالأستاذ أحمد بن علي ربيع «مدير تعليم صبيا سابقا». لم يكن يروق للهلالي أن أكون الأول على الصف، فهو يرى أن الليور أجدر مني، لكن الإنجليزية تضمن رجوح كفتي، وقد تفوق فيها بعد تخرجه ليرتاح من شغبه وشغب اللابصي وجبروت أستاذ الفنية المصري عثمان السيد، فأذكر أنهم كادوا يتسببون له في جلطة دماغية، لما حضروا بعد مضى نصف الحصة فقدم له أحدهم «طاسة» عَجَل سيارة قد صدئت بطول الدهر، وقدمها كتحفة فنية، فكاد المصري يجن! لم يكن معلمنا في الأول والثاني درهم رضوان -رحمه الله رحمة واسعة- الذي مات غرقا في السيول في إجازة الصيف بعد نجاحنا إلى الثالث عام 1399 من أخبرنا بالتعميم، بل كان الأستاذ محمد البنة الذي أبلغنا بمنع القيام للمعلم عند دخوله الصف، ولم نسمع بعدها بطالب قام لمعلم. اليوم، وفي ظل ما نراه من مجتمعنا وفي مدارسنا من تعدٍّ على مكانة المعلم، وغمط لحقوقه أسأل: فهل تعود هيبة المعلم ومكانته إذا عادت «قيام».. «قعود»؟!