فهد التويجري هو خلق ذميم ووصف قبيح حذر منه ربنا ورسوله -صلّى الله عليه وآله وسلم- وهو الإخلال بالشيء وتركه كذا قال ابن فارس، وقيل هو نقض العهد وترك الوفاء به، ويقولون في الذم يا غُدر، واصطلاحاً الغدر هو (الرجوع عما يبذله الإنسان من نفسه ويضمن الوفاء به وهو بالملوك والرؤساء أقبح ولهم أضر، قاله الجاحظ)، و ما أسوأه أن يصدر من صديق أو جار أو شعبٍ أو حكومة. ولعل ما يجري اليوم في خليجنا يذكرنا بمواقف جرت للنبي صلى الله عليه وسلم، فيها العبرة والعظة حتى نحذر من الخائنين وإن كانوا من عرقنا أو أهل ملتنا. أيها القراء دعونا نتأمل في مواقف تألم منها رسولنا وسببها الغدر والخيانة، خبر الرجيع ذلك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعث بسرية عيناً له وعليهم عاصم بن ثابت بن الأقلح في نفر دون العشرة حتى إذا كانوا بين عسفان ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فلما علموا بصحابة رسول الله استصرخوا عليهم قبائل، فأحيط بصحابة رسول الله وكانوا دون العشرة، وأولئك قد ناهزوا المئة، فاعتصموا بفرفد يعني بهضبة مرتفعة، فأخذ المشركون يصيحون بالصحابة انزلوا ولكم العهد والميثاق، فأكثر المشركون من الأيمان، فقال رئيسهم الأقلح: ما أنا والله بالذي أنزل بعهد مشرك، إنهم لا يؤتمنون فقاتلهم وقتلوه وتبعه الثاني والثالث، فنزل على عهدهم وميثاقهم خبيب بن عدي ومرثد بن أبي مرثد وزيد بن الدثنة، ثم لما تمكن المشركون منهم غدروهم وخانوهم وربطوهم وساقوهم إلى مكة، فلما نصبوا خبيباً ليقتلوه قال: ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي وذاك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع مع أن ذلك مذموم عند العرب، والخبر الثاني في بئر معونة، ذلك أن عامر بن مالك المعروف بملاعب الأسنة جاء إلى النبي، فعرض عليه النبي الإسلام، فلم يبعد أو يقرب، أي أنه أحب الإسلام، ولكن لم يدخل فيه، ثم إنه قال للنبي: هلاّ بعثت لنا من أصحابك من يعلمنا هذا الدين، فبعث النبي سبعين من القراء مع أنه كان - عليه الصلاة والسلام - متخوفاً من الغدر والخيانة، لكن محبة في نشر الدين، فذهبوا رضوان الله عليهم حتى أتوا عامر بن الطفيل، فبعثوا إليه حرام بن ملحان، فدخل عليه وقبل أن يعرض عليه الإسلام أمر عامر بن الطفيل بقتله، فطعنوه في ظهره، فقال والدم ينزف: الله أكبر فزت ورب الكعبة! ثم إنهم أحاطوا بصحابة رسول الله في عمل إجرامي بشع، وقتلوهم ولم ينج منهم إلا المنذر بن عمرو وعمرو بن أمية الضمري، فحزن النبي -صلّى الله عليه وآله وسلم- حزناً عميقاً على أصحابه كيف غدر بهم؟! وكيف قتلوا؟! فأخذ يدعو في صلاة الصبح شهراً كاملاً على رعل وذكوان وعصيه التي عصت الله ورسوله، ولا تجوز الخيانة، فإن خشي من عدو، فكما قال الله {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ}. الأنفال 58 للغدر مضار عديدة، منها: أن الغادر يحمل لواء غدره يوم القيامة خزياً وعاراً بين الخلائق حتى يعرفه أهل الموقف، وأنه صفة ذميمة لا يتصف بها إلا فاقد الإيمان من كافر ومشرك ويهودي ونصراني ومجوسي ومن حمل صفتهم. وخصم الغادر الله (عز وجل). والغادر ممقوت من الله وملائكته والناس أجمعين، يحذره الناس فلا يطمئنون لمخالطته في اجتماع أو ندوة أو مؤتمر أو لقاء سواء كان رئيساً أو مرؤوساً أميراً أو مأموراً مندوباً أو وافداً أو معلماً....إلخ. ويعامله الله بضد مقصوده فلا يتم له أمر. والغادر إنما يضر نفسه قبل غيره بخيانته وغدره مهما خطط. والغدر سبب لتفكيك المجتمع والدول وشيوع الفساد والبغضاء فيها، وسبب في تسليط الأعداء على المجتمع، ويقبح الغدر إذا صدر من قيادة أو زعامة، ويزداد قبحاً إذا كان من جيرانك وأهل ملتك وطينتك {الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ} الأنفال 56. أسأل الله أن يرد عنا كيد الكائدين.