كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التجنيس، تزامنا مع حملة «وطن بلا مخالف» التي تنفذها الجهات الأمنية؛ لتقليل عدد مخالفي نظام الإقامة، وسمعنا أصواتا تميل إلى جعل منح الجنسية حلا لمن يقيمون بيننا إقامة غير نظامية، والحقيقة أن مثل هذا التوجه تترتب عليه مخاطر وتبعات تؤثر على نسيج المجتمع برمته، فبلادنا ولله الحمد تتمتع بمزايا جعلتها مقصدا للجميع، فإن تم تجنيس طائفة -على سبيل المثال- ممن قدموا لنا عبر البحار أو الحج والعمرة واستوطنوا، فهذا سيكون مشجعا لمن وراءهم بأن يحذوا حذوهم بالهجرة غير الشرعية، ومن ثم بعد إقامتهم تتاح لهم فرصة أخذ الجنسية السعودية، بعد أن يتخلصوا من كل مستند يثبت جنسيتهم الأصلية أو يدل عليها، وفي الوقت ذاته يثير حفيظة الأفراد والأسر الذين لم يحصلوا على الجنسية بعد، رغم عيشهم طويلا بيننا؛ وبالتالي تنهال المطالبات، وترتفع الأصوات منادية بمساواتهم بغيرهم؛ لهذا إغلاق باب التجنيس صمام أمان للمجتمع، إلا في حالات خاصة وفق النظام المقر، والمنظم لشأن الجنسية. إن هذا الشعب وعبر تاريخه العريق، اكتسب دينا وعادات وتقاليد سامية قل مثيلها، كيف لا والأجداد يتردد ذكرهم في كل كتب التاريخ الإسلامي، رواة حديث، ومناصرين لسيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ولا شك أن دمج الأعراق مع بعضها بالتجنيس ينتج عنه اختلاط العادات والمعتقدات والأصول؛ فتأتي أجيال ربما تضيع هويتها بين هؤلاء وأولئك، هناك من يبسط الأمر جهلا أو قصدا؛ فيقول: إن أوروبا وأميركا منحت جنسيتها لكثير من الأمم، فتطورت وتقدمت، وفي هذا خلط للأمور ومعضلة نعاني منها كثيرا في نواح عدة، وهي محاولة استيراد قوالب جاهزة من الأنظمة والقوانين والمناهج، ومحاولة تطبيقها وفرضها على مجتمعنا، مع العلم بأن ما يصلح لغيرنا ليس بالضرورة أن يكون صالحا لنا، وليس في ذلك أدنى غرابة؛ إذ إن لكل أمة نهجا وتاريخا وثقافة تختلف عن غيرها، باختصار المشكلة لا تحل باتخاذ مسار يؤدي إلى مشكلة أعظم وأكبر. قبل الحديث عن التجنيس يجب السعي الحثيث؛ لتصحيح أوضاع من يقيمون بطريقة غير شرعية، وتشجيعهم على المبادرة إلى تقديم أنفسهم للجهات المختصة للحصول على إقامة قانونية، بل ومكافأتهم بعد ذلك بضمان حصولهم على مصدر رزق، يسد حاجتهم ويحسن وضعهم المعيشي، ويجعلهم منتجين، بدل بقائهم في أحياء عشوائية تكثر فيها الجرائم بمختلف صورها، أما أن نجنس كل من عاش بيننا مخالفا للأنظمة؛ فذلك تعدّ على المجتمع دون أدنى اعتبار، إن كثيرا من هؤلاء قدموا بطرق مشبوهة متسللين متخفين، منهم عصابات المخدرات، ومن ارتكبوا مختلف الجرائم في بلادهم، ومن سكنوا السجون أعواما، ومنهم من لا يعرف عن الدين والإسلام شيئا، فضلا عمن لا يتحدث العربية أصلا، وزد على ذلك ما يخطر على بالك، ومن زار بلدانهم التي قدموا منها يعرف حقيقة الأمر. ختاما، بلادنا ترحب بالجميع ومنذ عقود خلت، يتردد عليها لطلب الرزق ملايين الناس من مختلف الجنسيات، ولم يجدوا بيننا إلا حسن المعاملة، وقد جمعوا أمولا طائلة ساعدتهم في تحسين ظروفهم وظروف من يعيلون، فالله وحده من رزقنا ولا نحسد من جاء لطلب الرزق الشريف، لكن أن نجعل بلادنا موطنا لأناس نعلم جيدا حالهم في أحيائهم العشوائية، فهذا لا يقول به عاقل، ولا أي مواطن ورث الوطنية عن أهله وذويه، ولنتذكر أن من نجنسه اليوم، غدا يكون سفيرا للمملكة حينما يحمل جواز سفرها متنقلا بين دول العالم. عايض الميلبي