«اعتدلوا، استقيموا، تتسيدوا العالم ليس بالقوة بل بالأخلاق»، كلمات أبوية وجهها مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل، إلى حضور لقائه المفتوح صباح أمس، من طلاب وطالبات جامعة الملك عبدالعزيز، وعدد من المثقفين والأكاديميين، والذي جاء بعنوان «حوار في الاعتدال»، في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بالجامعة، وذلك ضمن أنشطة وبرامج مركز الأمير خالد الفيصل للاعتدال، الذي يأتي امتدادا لكرسي الاعتدال الذي أسسه الفيصل بالجامعة قبل 5 أعوام. وأكد الأمير خالد الفيصل، أن المملكة حققت ما لم تحققه دولة أخرى، وأنها تفرّدت بسمات لم تتوفر في غيرها من الدول، وأن أول تلك الشواهد أن الدولة والمجتمع الأول أسسا دولة سعودية أولى وزالت ودولة ثانية زالت، وثالثة وما تزال. وأضاف «السابقة التاريخية الثانية، أنها الدولة التي قامت بأول وحدة ناجحة في القرن العشرين في الوطن العربي»، واستدرك «صحيح أن هناك الكثير ممن تحدث عن الوحدة وصفق لها، لكن من حقق الوحدة فعلا هي المملكة العربية السعودية». واستطرد الفيصل أن السابقة الثالثة التي انفردت بها المملكة هي أنها الأولى التي قامت على التوحيد، ودستورها القرآن والسنة، ورايتها كلمة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، و«الإسلام شريعتها». وتابع قائلا: «إن النقطة الرابعة التي لم يتطرق إليها أحد من قبل أنها أول دولة عربية تُعلن وتؤكد عروبتها في اسمها، فسمّت نفسها المملكة العربية السعودية، وخامسا أنها الدولة الوحيدة في الوطن العربي التي اتفق عليها وضدها الشرق والغرب بأنظمتها الرأسمالية والدينية واللادينية، والشيوعية والإلحادية، اتفقت جميعا على مهاجمتها لتتخلى عن هذا المسار، ولكنها رفضت وصمدت ونجحت، وهذا ما جعلني أقول وبكل فخر واعتزاز»ارفع رأسك أنت سعودي«. تغلغل وتأثير أشار الفيصل إلى أن إمارة منطقة مكةالمكرمة شرعت في الإسهام بالنهضة الفكرية، والحِراك الثقافي، لما يثري الحوار، ويدافع عن الشخصية الإسلامية العربية السعودية، لافتا إلى أن المجتمع السعودي تعرض إلى شتى سبل التغلغل والتأثير بواسطة أحدث آليات التأثير الثقافي والفكري من شتى أنحاء العالم، ومن كل المنظمات والمؤسسات. وأضاف»لقد ساء البعض نهضة المملكة على مبدأ الإسلام، وساءهم أكثر أنها نجحت في هذا المسار وأثبتت للعالم أجمع أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان«. وتابع»شاركت إمارة المنطقة بمبادرات ثقافية وفكرية، مثل ثقافة الأمل والتفاؤل في مواجهة الإحباط، وثقافة احترام النظام، وثقافة منهج الاعتدال السعودي الذي هو محور لقائنا اليوم، وهو كذلك الركيزة التي انطلق منها مشروع وشعار هذا العام (كيف نكون قدوة)، وأود أن أركز على نقطة واحدة ونؤكد عليها، وأرجو من هذه الجامعة أن تحتفظ بحقوقي الفكرية في هذه النقطة التي لم يتطرق إليها أحد من قبل وهي: (التفرد السعودي) الفريد من نوعه في هذا العصر وفي هذا البلد«. قدوة للعالم تحدث الأمير خالد عن الهدف الإستراتيجي لمركز الأمير خالد الفيصل للاعتدال، قائلا»إن أهم هدف أن نكون قدوة للعالم ولغيرنا، لأن الله أنعم على هذه البلاد بالإسلام ثم الأمن والاستقرار، وبقيادة تطبق شرع الله في كل مناحي الحياة، فما بينها وبين الناس هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونعمة تطبيق الشريعة في أنظمتنا العدلية، ويكفي أن حبانا الله بأن القرآن بلغتنا، وأن آخر رسول ونبي قدم رسالة الإسلام من هذه البقعة، وأن أول بيت وضع للناس على هذه الأرض«. وبالنسبة للمنهج الذي سيتبعه مركز الأمير خالد الفيصل لتأصيل منهج الاعتدال في ظل الثورة المعلوماتية حول العالم، ذكر أمير منطقة مكةالمكرمة»نعيش اليوم في زمن متسارع في متغيراته، فما كان يستغرق عشرات السنين ليحدث أصبح يحدث سريعا، والبحوث والدراسات أصبحت تصدر منتجات عالمية واختراعات مذهلة، لذا يجب أن نحث الخطى لنلحق بالركب والتقدم«. ما الاعتدال؟ في إجابة لأمير منطقة مكةالمكرمة على تعريف الاعتدال، أكد أن المقصود به الاعتدال الذي بدأت به المملكة منذ نشأتها حتى اليوم، وقيامها على التوحيد، والإسلام دستورا ومنهجا وشرعا، مضيفا "يشرفنا أن نتعامل مع الجميع على أساس الإسلام، وليس كما ظهر مؤخرا لما يسمى بالإسلام السياسي الذي لا يمت للإسلام بشيء، وليس له أسس ولا مبادئ ولا أخلاق، بل هو تشويه لصورة المسلمين ويظلم الإسلام". وأشار الأمير خالد الفيصل إلى أن مواجهة الفكر المتطرف لا تتأتى إلا بتحصين الشباب من التطرف بكل أشكاله، فالإرهاب اليميني واليساري يجتاح العالم ولا بد من الوقوف في وجهه، فالأول يدعو للتطرف، والثاني يدعو للانحلال والتحلل. وأكد أمير منطقة مكةالمكرمة على أهمية الدور الذي يقع على عاتق الشباب لتعزيز مفهوم الاعتدال، وأن يتمثّل الجميع بشعار العام الذي أطلقته الإمارة تحت عنوان"كيف نكون قدوة؟"، وأن نبدأ بأنفسنا لتحقيق ذلك، لافتا إلى أهمية نقل الاعتدال من المحلية إلى العالمية. المتطرفون قلة علق أمير مكةالمكرمة على تساؤل حول طرق تسخير وسائل التواصل الاجتماعي في منهج الاعتدال قائلا»هم يعيشون الحياة ونحن نعيش العالم الافتراضي»، لافتا إلى أهمية تغيير الصورة النمطية التي ألصقت بالمجتمع بشكل مبالغ فيه، وخصوصا حول التطرف، مؤكد أن المتطرفين قلة، فيما المعتدلون كُثر، لكن تلك القلة أثرت على المجتمع، ويجب أن نواجه التطرف الديني والتطرف اللاديني اللذين يشجعان بعضهما على الوجود، بأن نخرج عن حالة الصمت التي نعيشها قائلا»يجب ألا نصمت». وفي معرض إجابته على مداخلة عن دور المملكة في مكافحة التطرف والإرهاب، وتعزيز قيم الاعتدال والانتماء الوطني لدى أفراد المجتمع، قّدم الأمير خالد الفيصل شكره وتقديره لنائب خادم الحرمين الشريفين الأمير محمد بن نايف، مؤكدا أنه يستحق التكريم من الداخل والخارج، لجهوده في مكافحة الإرهاب والتطرف، مثمنا الدور الكبير لجميع رجال الأمن في المملكة على وجه العموم، وفي منطقة مكةالمكرمة على وجه الخصوص. طرق كل الأبواب شدد مستشار خادم الحرمين الشريفين على أن دور المجتمع في التصدي للإرهاب مهم، ولن يأتى ذلك إلا بالتحلي بالأخلاق الإسلامية، مضيفا»لو فعلنا ذلك لكنا كما أراد الله لنا بأن نكون خير أمة أخرجت للناس لنقود العالم بالمُثل والأخلاق العليا». وأبدى استعداد المركز مع كافة المراكز الأخرى في المملكة للإسهام لما فيه خير وخدمة مجتمع المملكة، مؤكدا أن المركز سيسخر كل وسيلة حديثة لنشر مفهوم الاعتدال، وسيطرق كل الأبواب لنشر مشروع وثقافة الاعتدال في المجتمع. وفي نهاية الحوار، قدّم أمير منطقة مكةالمكرمة شكره للحضور، وتسلّم من مدير جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عبدالرحمن اليوبي، قلادة الاعتدال.