باتت المدرسة الحديثة اليوم هي البيئة الخصبة للتفكير والتطوير وتحسين المخرجات، وفي سباق مع التقنية المذهلة بما تحتويه من تعدد مصادر التعلم وقنواته، بل إن المدرسة التي لا تطور من أساليبها لا تعدو كونها مدرسة رتيبة ومملة، وتُفتقد فيها روح النشاط والتجديد. إن الاهتمام بالقراءة يؤكد حرص العاملين على أداء رسالتهم التعليمية والتربوية تجاه أبناءنا الطلاب، في تحديد مسار قراءاتهم من المحتوى المفيد لهم، وما يتوافق مع طبيعة المرحلة العمرية التي يقضونها. وقد حان الوقت ليستخدم المعلمون الأسلوب الحديث في التربية، لاستعادة أبنائنا الطلاب من الإفراط في استخدام التقنية والجنوح نحوها، إلى حب القراءة والكتابة والحرص عليها، حيث فيها غذاء للعقل والروح، ونهج لا يُطفأ نوره ولا ينضب عطاؤه، وتجدد معه الأحلام وبناء الشخصية والثقافة والأخلاق. أتذكر لأستاذنا البروف أحمد بن محمد الحسين، أستاذ المناهج وطرق التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وقفة من مواقف الجد والمثابرة في مهد الصبا، والتي تستحق الوقفة والتأمل والاحتذاء بها. جاءت الأحلام يوما ما، تُترجم بنفسها عن عبق الماضي الأصيل وكنفه الرائع وألوانه الزاهية على النفوس، ونقشه في الذاكرة الطويلة المدى ورائحته الفواحة الشجية كيف لا؟! وهي نابعة من إنسان عشق الحرف نطقا ورسما، ولامس الكلمة وتتلذذ بها، وعانق شفاها وتناغمت معه كلماتها منذ زمن الطفولة، فباتت حلمه الذي لا ينتهي، وفؤاده الذي يبصر بها، فسُجلت بماء الذهب ونُقشت على الحجر، وأينعت ثمارها وقُطفت بعد سنوات طوال، فما أجملها وما أبهاها. إنها تلك المرآة العاكسة لشخصية البروف أحمد الذي كان منذ طفولته يعشق القراءة، فكانت أشبه ما تكون بالتجارة الجميلة، المثمرة من جهتين، فقد كان يذهب للحراج بعد خروجه من المدرسة وتأدية واجباته المدرسية لشراء مجموعة من القصص القصيرة ويعود إلى البيت ليقرأها سريعا، ثم يرجع على الفور للحراج لبيعها بزيادة ريالين أو ثلاثة أو أربعة ريالات. في سباق مع القراءة والزمن والربح اللامنتظر. هكذا، جهد متواصل ودؤوب، أشبه ما يكون يوميا، يتناغم مع الكلمة ويرسم سحرها وبريقها على ذاكرته، ويُجسد القصة في ذهنه، فتلامس حسه وحدسه، فتأخذه هذه وتلك إلى قلمه السيّال في مؤلفاته الكبيرة وأطروحاته القوية وحواره ونقاشه الذي لا يُمل. فهنيئا لذاك الزمن ورجاله وللمؤلف وقرائه.