تفشى داء في مجتمعنا الوظيفي، وعلى غير العادة أصبحت جميع المهن الوظيفية في خطر محدق، بسبب تزايد أعداد المديرين على عدد الموظفين! والمؤلم حقا، عندما ترى التخصصات الفنية على وجه الخصوص يتم قتلها مبكرا باستقطاب خريجيها على كراسي الإدارة مباشرة، إذ بسبب ذلك فقدنا الكوادر الفنية بإجلاسها على كراسي الإدارة، مفتونين بتوقيعاتهم لا أكثر. وعلى سبيل المثال لا الحصر، مهندسون شباب موزعون على كراسي الإدارات في البلديات ووزارة النقل وغيرها، وكذلك القطاع الخاص لم يسلم من ذلك الداء، إننا بالفعل نرى الحسرة في عيون الوطن، بأن من يباشر ميادين المشاريع هم الوافدون، وكأن وطني يقول: ألا تشعرون بالحرج بأنكم لم ترفعوا طوبة في بنائي! وكم أحزن عندما أرى تسرب الأطباء كذلك إلى العمل الإداري، رغم معاناة النقص الكبير في القطاعات الصحية من الأطباء السعوديين، وقس على ذلك في مجالات أخرى كالمجال التقني، فالجميع أصبح مديرا! وربما يعود السبب في ذلك إلى أننا لم نعطِ علم الإدارة حقه، فالإدارة علم كبقية العلوم، وعلينا أن نرفع مستوى وعينا تجاهها بتقدير هذا العلم العظيم، وهو السبب في نجاح أي منظومة عمل، ودون هذا الوعي نرى الواقع يقول لحملة الشهادات الإدارية: إنهم مجرد طبقة اعتيادية، يُنظر إليهم بكل ازدراء، إنهم مجرد فاشلين حاولوا الحصول على شهادة لا أكثر، مما أدى بنا إلى الخلط بين المهام ونقصها في مجتمعنا الوظيفي. لذلك، لا نستغرب امتعاض الطبيب والمهندس وغيرهما، بأنهم ليسوا مديرين بسبب ما ترسب لدينا من مفاهيم خاطئة حول معنى الإدارة وعلومها. والأسوأ من ذلك، أن يرى صاحب القرار أن المبدعين في مهنتهم هم من يستحقون الإدارة، فلكل مجال متخصص، ومعيار نجاحه في ظني لا يتعدى تخصصه، أو يفسح المجال لغيره حفاظا على المجتمع الوظيفي من الخلل القائم في فائض المديرين، وأعتقد لو أن كل فرد مارس تخصصه بين الإداري والفني، لأصبح لدينا عدد ملموس في قلة الوافدين على تلك الوظائف الفنية والصحية، فعندما نؤمن بأن التخصص هو أساس التميز في عصر العلم سنسير على الطريق الصحيح حتما.