حذيفة مدخلي يحتدم النقاش في مواقع التواصل الاجتماعي حول موضوع السينما والتصريح المرتقب لها في السعودية، ومن المهم جدا أن يكون هناك رأي محايد يتوسط الآراء المطالبة بالسينما والآراء الرافضة لها. لأولئك الذين لم يدخلوا السينما في حياتهم، صالة السينما هي عبارة عن قاعة تشبه المسرح المدرسي لكن بتقنيات حديثة وشاشة كبيرة مزودة بتأثيرات صوتية مثيرة، ويُعرض في هذه الشاشة ما صدر حديثا من الأفلام، العربية والعالمية، تعرض الأشياء نفسها التي تُعرض في شاشة التلفزيون المنزلي، الفرق أن أجواء السينما تضفي الإثارة والحماس على المشاهدين، وتمنح زائر السينما فرصة السبق في المشاهدة. السينما هي أداة، يمكن التحكم فيها وتشكيلها بالطريقة التي تناسب المجتمع والبيئة التي توجد فيها، وهذا أساس من أسس التسويق. عندما تطور منتجا لشريحة معينة من المستهلكين، فإن هذا المنتج يجب أن يتوافق مع ما يريده المستهلك، فبيع سيارات بلون وردي في بلد لا يسمح بقيادة المرأة للسيارة، يُعدّ ضربا من الجنون. الشباب السعوديون ربما لا يعلمون أن المجتمع السعودي ليس حديث عهد بالسينما، فقديما كانت توجد صالات للسينما في معظم مدن المملكة، في جازان مثلا كانت هناك ثلاث دور سينما تتنافس بشدة فيما بينها، في أبها أيضا كانت هناك داران للسينما، أما في الرياضوجدة والدمام وغيرها من مدن المملكة فكانت دور السينما منتشرة فيها بكثرة. أحد أوائل الأفلام السينمائية السعودية تم إنتاجه عام 1966، وكان اسمه (تأنيب الضمير) إخراج السعودي سعد الفريح وبطولة الفنان السعودي حسن دردير (مشقاص)، ومن أشهر الممثلين السعوديين الذين شاركوا في السينما العربية، الفنان سعد خضر الذي شارك في عدد من الأفلام المصرية واللبنانية، إضافة إلى مشاركة الفنان طلال مداح في فيلم شارع الضباب في السينما المصرية. اليوم يتصدر المنتجون والممثلون السعوديون الإنتاج السينمائي، وينافسون بقوة على المراكز الأولى عربيا وعالميا. فيلم (وجدة) الذي أخرجته الفنانة هيفاء المنصور، حصل على كثير من الجوائز العربية والعالمية، وترشح لجائزة الأوسكار. فيلم (بلال) الذي يحكي قصة الصحابي الجليل بلال بن رباح، أحد أبرز الأفلام السعودية والتي يتوقع له نجاحا مبهرا على المستوى العربي والعالمي. محمد التركي، أنتج 7 أفلام في هوليوود عدد منها لنجوم الصف الأول، وهو ما يزال بعمر 30 سنة. في كل دول العالم، يشاهد أهل البلد أفلامهم قبل غيرهم من الدول، إلا نحن، يشاهد العالم أفلام أبنائنا قبلنا. أتساءل: كل هذه المواهب أين ستذهب إذا لم نوفر لها البيئة المناسبة والجاذبة؟ السينما تمنح المجتمع وسيلة ترفيهية يمكن تشكيلها بما يتناسب مع القيم الاجتماعية والتقاليد المحلية، وهي كما ذكر الكاتب خالد السليمان، أكثر أمانا من مشاهدة الأفلام داخل الغرف المغلقة، إذ يمكن التحكم في محتواها تحكما كاملا. السينما تمثل فرصة اقتصادية مميزة بالنسبة للبلد، ولا صحة للادعاءات التي تقول إن صناعة السينما تعاني اقتصاديا. في بريطانيا، عدد الفرص الوظيفية الناتجة عن قطاع السينما بلغت 117 ألف وظيفة، وتسهم السينما في الاقتصاد البريطاني بما يعادل 20 مليار ريال سعودي، إضافة إلى 5 مليارات ريال عوائد ضريبية، وهذه الأرقام تواصل النمو بشكل سريع. في دولة البحرين، شركة دور سينما واحدة فقط حصدت ما يعادل 60 مليون ريال سعودي كصافي أرباح. وبما أن كثيرا من زوار السينما في الكويتوالبحرين والإمارات وقطر هم سعوديون، فإن المبالغ التي يصرفونها في دور السينما الخليجية هي تسرب اقتصادي والمملكة أولى به. تضخيم معارضي السينما للسلبيات التي يتوقعون حدوثها أمر طبيعي، لكن هذه السلبيات لم تثبت، فكثير من زوار دور السينما في الخليج هم من السعوديين، لماذا لم يشتكِ أحد منهم من سلبياتها. على العكس، فإن الأثر الإيجابي للسينما سيكون كبيرا جدا، أولا من ناحية الاقتصاد، ثانيا الفرص الوظيفية، ثالثا، سيعطي السعوديين الفرصة لينتجوا أفلاما يمكن لها التأثير على المجتمع العربي والدولي، وتبث رسائل إيجابية عن المملكة وشعبها، لتقف سدا منيعا أمام التشويه المستمر الذي تتعرض له المملكة في بعض الدول العربية والأجنبية. هذا التأجيج ضد كل ما هو جديد، لن يأتي بخير، بل العكس، قد تنتج عنه ردود فعل عنيفة تضر بالبلد والمجتمع.