يمر الفيلم السينمائي، عادة، بمحطات كثيرة حتى يصل إلى شاشة التلفزيون، ذلك أن المنتج أو الممول يستثمر فيلمه عبر عرضه في الصالات السينمائية في مختلف البلدان، كي يستعيد رأسماله وليحصل كذلك على الأرباح. لكن الملاحظ في الفترات الأخيرة أن الفيلم السينمائي يصل إلى شاشة التلفزيون، ولم يكد يمر على إنتاجه أكثر من سنة واحدة. شاهدنا في الآونة الأخيرة، مثلاً، عرض فيلم «كباريه» للمخرج سامح عبدالعزيز وهو من إنتاج 2008، وكذلك «الريس عمر حرب» (إنتاج 2008) لخالد يوسف وسواهما، وقبل ذلك عرض فيلم «عمارة يعقوبيان» بعد فترة قصيرة نسبياً على إنتاجه، وكذلك فيلم «سفارة في العمارة» وغيرها من الأفلام سواء كانت عربية أم أجنبية، ذلك أن القنوات المخصصة بعرض الأفلام الأجنبية تجتهد، بدورها، كي تحصل على حقوق عرض لأحدث الانتاجات السينمائية العالمية. من البديهي، أن «حداثة» الفيلم لا تعكس بالضرورة جودته، غير أن سعي التلفزيون إلى عرض الفيلم السينمائي بعد فترة قصيرة على إنتاجه سيتيح لعشاق الفن السابع فرصة ثمينة لمشاهدة أحدث الانتاجات السينمائية العربية والعالمية. قد لا يكون لمثل هذا الكلام أي معنى أو أهمية في بلدان تحترم السينما وتلتزم بشروط عرضها التقليدي، وتعرض الجديد. لكن الحال ليست كذلك في اغلب البلاد العربية، فالوضع السينمائي لا يبشر بالخير، ووضع الصالات السينمائية، إنْ وجدت، هو وضع سيّء، وإذا تغاضى المرء عن الكثير من السلبيات، وهي بالمناسبة تشكل حلقة مترابطة، فإنه لا بد من الإشارة في هذا المقام إلى أن أصحاب الصالات لا يكلفون أنفسهم عناء جلب الفيلم المنتج حديثا بمقدار ما يسعون إلى عرض فيلم رابح تجارياً، حتى وإن كان تاريخ إنتاجه يعود إلى عقود مضت. محاولة التلفزيون، إذا، في عرض الإنتاج السينمائي الحديث تخدم السينما إلى حد ما، ونقول «إلى حد ما» لأن التلفزيون كثيراً ما يسعى وراء «الحديث» بمعزل عن مستواه، الأمر الذي يفرض وجود لجان سينمائية مختصة في تلك القنوات للعمل على الاختيار الناجح، واستبعاد تلك الأفلام «الهابطة»، فتاريخ إنتاج الفيلم لا يشكل، بحد ذاته، قيمة فنية، لذلك لا بد من اعتماد معايير للمفاضلة بين هذا الفيلم الحديث أو ذاك. وكان كثيرون من النقاد توقعوا تعاوناً مثمراً بين الشاشتين الصغيرة والكبيرة، ولئن تحقق هذا التكهن في أكثر من مجال سواء في مجال الإنتاج أم التوزيع أم التسويق... فإن هذا السعي التلفزيوني الأخير نحو احتضان الأفلام الحديثة ل «الشقيقة الكبرى» يعزز ذلك التعاون، وينفي مرة أخرى صحة المزاعم القائلة ان ثمة معركة ناشبة بين التلفزيون والسينما. والحال أن هاتين الوسيلتين البصريتين لا يمكن لهما إلا أن تتعايشا وسط مختلف الظروف والحالات.