يعكس الاتفاق الهش بين قادة العراق لإنهاء الأزمة السياسية التي أصابت البلاد بالشلل طوال ثمانية أشهر تباعد المواقف وحجم الخلافات بين الفرقاء والتي تجلت في السجالات التي شهدتها جلسة البرلمان أول من أمس في بغداد. وعلت أصوات محذرة من عودة الأمور إلى المربع الأول. وفي هذا الإطار أعلنت القائمة العراقية التي يتزعمها إياد علاوي "أن مبادرة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني تعرضت للوأد ولا سبيل لعودة القائمة إلا بضمانات موثوقة". وقال المتحدث الرسمي باسم القائمة شاكر كتاب "مبادرة بارزاني تتعرض للوأد والإفشال، والرئيس أوباما أكد دعمه لإقرار البرلمان تشكيل مجلس السياسات الاستراتيجية". وأضاف "أن الخيارات أمام العراقية عديدة ولا سبيل لعودتها إلا بضمانات موثوقة تحول دون الالتفاف على حقوقها وعلى الاتفاق معها". وكانت القائمة العراقية قد انسحبت من جلسة البرلمان احتجاجا على عدم طرح مواضيع في البرلمان تقول إنها اتفقت عليها مع الكتل السياسية وقد عرضت وثيقة تثبت ذلك. ومن المواضيع المتفق عليها بحسب الوثيقة إزالة اجتثاث بعض المشمولين بقانون المساءلة والعدالة والسماح لهم بمزاولة العمل السياسي ومنهم صالح المطلك وظافر العاني وراسم العوادي وجمال الكربولي. من جهته قال عضو القائمة العراقية مسؤول التجمع المستقل الوطني في ديالى علي المهداوي "إن التفاف بعض الكتل السياسية على الاتفاقات السياسية في جلسة البرلمان كان خيبة أمل للقائمة". وأضاف "أن أعضاء القائمة العراقية سائرون في تنفيذ برامجها السياسية ومشروعها الوطني والقومي خدمة للعراق". وأوضح "أن العراق سيمر بأوقات عصيبة جراء غياب القائمة العراقية وفرض حكومة الأمر الواقع، وهذا يعني العودة إلى المربع الأول". وتوقع المهداوي "أن تكون الحكومة المقبلة ضعيفة في إدارة البلاد لأنها بنيت على استحقاق غير انتخابي وإنما بضغوطات خارجية" حسب قوله. وتابع إن "العراقية" ستنسحب من العملية السياسية "عاجلا أم آجلا" بسبب تقاطع برنامجها الوطني مع ما يحدث في الساحة السياسية للبلاد. في غضون ذلك أعلن القيادي في التحالف الوطني حسن السنيد "أن رئيس الجمهورية المنتخب جلال طالباني لم يكلف مرشح التحالف الوطني نوري المالكي رسميا برئاسة الحكومة وإنما تعهد بتكليفه". وأضاف "أن التكليف الرسمي يكون بكتاب رسمي من رئيس الجمهورية يقدم إلى المكلف رسميا وبعدها تكون مدة الشهر سارية لتشكيل الحكومة". ولكن في المقابل أفاد نائب مقرب من المالكي، بأن رئيس الحكومة المكلف بدأ منذ أمس مشاوراته مع الكتل البرلمانية لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة في إطار المهلة المحددة والبالغة شهرا واحدا، حسب تكليف الرئيس طالباني. وقال النائب كمال الساعدي "حتى الآن لا نستطيع معرفة شكل الوزارة أو توزيع المناصب.. لكن هذا سيتضح مع الأيام وبصورة عامة فإن المالكي عازم على إنجاز طاقم وزارته بوقت قياسي". وفي سياق متصل دعت المرجعية الشيعية العليا في العراق بزعامة علي السيستاني إلى تشكيل حكومة جديدة على أسس مهنية وموضوعية. وقال أحمد الصافي معتمد المرجعية في كربلاء خلال خطبة صلاة الجمعة أمس "هناك تراكمات نتيجة الوضع السياسي الذي يمر به العراق ظهرت خلال جلسة البرلمان. نتمنى أن تؤسس الحكومة المقبلة على أسس مهنية وموضوعية ذات أبعاد تلبي الاحتياجات الحقيقية لما يمر به البلد". إلى ذلك أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن اتفاق تقاسم السلطة الذي تم التوصل إليه في العراق بعد أشهر من الأزمة السياسية يشكل "محطة مهمة" جديدة في تاريخ هذا البلد. وقال أوباما خلال مؤتمر صحافي عقده في ختام قمة مجموعة العشرين في سول أمس إن الحكومة التي سيتم تشكيلها في العراق ستكون "ذات صفة تمثيلية وتضم الجميع وتعكس إرادة الشعب العراقي"، مذكرا بأن واشنطن لطالما دعت إلى تشكيل مثل هذه الحكومة التي ترتكز على "قاعدة واسعة". وقال إن الاتفاق على تشكيل الحكومة يثبت أن الرغبة في السلام أقوى "من الذين يريدون للعراق أن يغرق في أعمال العنف الطائفية". وفي لندن قال وزير الخارجية البريطاني ويليم هيج إن اتفاق تقاسم السلطة المبرم في العراق بعد أشهر من المازق يشكل "خطوة مهمة إلى الأمام". وأضاف في بيان "سرني الاطلاع على اتفاق تعيين الرئيس العراقي ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان. هذه خطوة مهمة إلى الأمام وأحث العراق على الانتهاء سريعا من عملية تشكيل حكومة تمثل العراقيين كافة". كما رحبت وزارة الخارجية الفرنسية باتفاق تقاسم السلطة في العراق واعتبرته "تقدما في الاتجاه الصحيح". وقال المتحدث باسم الوزارة برنار فاليرو إن "فرنسا ترحب بحس المسؤولية لدى القادة العراقيين الذين تمكنوا من تجاوز خلافاتهم وبهذه الروح ترحب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه لتشكيل حكومة شراكة وطنية".