البيعة منهج إسلامي، وهو من أهم مميزات النظام السياسي الإسلامي، تفرّدت به الحضارة الإسلامية عن غيرها من سائر الحضارات، وهي من أبرز جوانب العمل السياسي الذي تمارسه الأمة؛ فهي التي تضفي الشرعية على نظام الحكم، وهي ميثاق تأسيس المجتمع السياسي الإسلامي، وأداة إعلانه الالتزام بمنهج الشريعة والشورى، وهي عهد على الطاعة من الرعية للراعي في المنشط والمكره، وهي اعتصام بحبل الله، وضمان انتظام عقد المسلمين، وحماية الأمة من التنازع المؤدي إلى الفشل، والله تعالى يقول: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا"، ويقول سبحانه: "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ". فلما كانت ثمرتها بقاء الأمة، كانت هي من أوجب واجبات هذا الدين، ولما لها من خطر فقد نبّه على ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وحذر فقال: "مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً ". وبذلك أرسى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مبدأ البيعة منذ اليوم الأول لقيام الدولة الإسلامية. ولأهمية أمر البيعة، فإن القرآن الكريم يُشير إليها في أكثر من موضع، إذ يقول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ"، ويقول سبحانه: "لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا". ومن هذا المنطلق، فإن الشعب السعودي ماض على العهد، يجدد البيعة ويحتفي بذكرى تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه وسدد بالحق خطاه- مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية. هذه المناسبة العزيزة الغالية على كل مواطن ومواطنة على هذه الأرض التي نعم بخيراتها، وكان شاهدا على العمل المتواصل الذي وجد التقدير والاحترام من جميع أبناء الوطن في هذا الزمن اليسير لمدة حكمه المباركة. ففي الوقت الذي يمر فيه العالم بأزمة مالية خانقة؛ تم بفضل رعايته الحكيمة تدشين المشاريع الخدمية والتقنية المتعددة والمتنوعة في مختلف أنحاء المملكة، والتي تهدف إلى خير المواطن ورفاهيته، والتي كان من أبرزها تأسيس المقر الدائم لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والذي يقوم بتوحيد الأعمال الإنسانية والإغاثة التي تقدمها المملكة، وغيرها من الجهود الميمونة. وإنها لجهود ترسخت بولاء المواطن لقيادته وانتمائه لوطنه، وبالتفاف الرعية حول الراعي بحبل من الود والحب الساكن في القلوب والنفوس. فالحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وشرفنا من بين شعوب الأرض بخدمة حرميه الشريفين، وإننا نتضرع إليه سبحانه أن يمنّ على خادم الحرمين الشريفين بالصحة والعافية، وأن ينصره ويسدده، ويديم على بلادنا الغالية وشعبنا العظيم كل خير وتوفيق وأمن وأمان. والحمد لله على جزيل فضله وإنعامه. وكيل جامعة بيشة للدراسات العليا والبحث العلمي