من الرعية للراعي، وإنفاذ مهمات الراعي على أكمل وجه، وهي مما تفرَّدت به الحضارة الإسلامية عن مثيلاتها من الحضارات الإنسانية ولأهمية أمر البيعة في المنظور الحضاري الإسلامي وجدنا القرآن الكريم يُشير إليه في أكثر من موضع، حيث يقول تعالى في سورة الفتح: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} ولذلك تأسَّى المسلمون برسول الله -صَلِّى الله عليه وسلم- فأضحت البيعة ركنًا لا فكاك منه في المنظومة الإسلامية، ودليلاً على مشاركة الرعية كلها في مبايعة الإمام، حيث بايع النبي -صَلى الله عليه وسلم- صحابته أكثر من بيعة كبيعتي العقبة الأولى والثانية، وكذلك بيعة الرضوان، وكانت كل طوائف المسلمين يُبايعونه -صَلَّى الله عليه وسلم-، فمن الرجال الذين بايعوا رسول الله -صَلَّى الله عليه وسلم- عدد لا يمكن حصره، ومن النساء العدد الجمّ «لم يصافح على البيعة امرأة وإنما بايعهن بالكلام». إن إقامة السلطان وولي الأمر من الواجبات الدينية، ومما لا تتم مصالح الناس الدينية والدنيوية إلا به.. قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (لا بد للناس من أمير؛ بَرٍّ، أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل) رواه البيهقي بسند حسن. وقال الحسن البصري -رحمَهُ اللهُ-:(والله لا يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وأنَّ فرقتهم لكفر).. يقصد كفر النعمة. وقال ابن رجب -رحمَهُ اللهُ-: (وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم). ومن هنا ندرك أن الحضارة الإسلامية حضارةٌ بناءة، فهي تعي قيمة أفرادها، وضرورة مشاركتهم في الأحداث المحيطة بهم، ومن ثم وجدنا أسوة المسلمين رسول الله يُرسي مبدأ البيعة منذ اليوم الأول لقيام الدولة الإسلامية، وإِذَا بايع أهل الحل والعقد السلطان أَوْ الملك المسلم أَوْ تغلب عَلَى بلد مِنْ البلاد وجب عَلَى مِنْ يستوطن تِلْكَ البلاد البيعة لولي الأمر، وأن يعقدها بقلبه، وأن يقوم بحقها، وأن يحفظ عهد الله وميثاقه. وبيعة أَهْل الحل والعقد لازمة عَلَيْهِمْ، وملزمة لمن يقع تحت سلطان ولي الأمر كما عليه أهل السنة والجماعة. وَقَدْ قال النبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم-: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) رَوَاهُ مسلم وقال: (من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية) رواه الإمام أحْمَدُ.. وهو حديث صحيح. قال الإمَامُ أحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: (لا يحل لمسلم أن يبيت ولا يراه إماماً براً كان أو فاجرا). والأصل أنَّهُ لا يلزم أن يحضر كل الناس إلى ولي الأمر، فمبايعه أهل الحل والعقد كافية، وَتُلْزِمُ بقية الرعية بتلك البيعة، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من عبد الله لا يشرك به شيئاً، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وسمع وأطاع ؛ فإن الله يدخله من أي أبواب الجنة شاء، وإن لها ثمانية أبواب) وَهُوَ حَدِيْث حَسَنٌ. ومن حقوقه على رعيته وجوب الإكرام وتَحْريْمُ إهانته: وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أكرم سلطان الله أكرمه الله، ومن أهان سلطان الله أهانه الله) حَدِيْث حَسَنٌ مِنْ حقوق ولي الأمر بعد السمع والطاعة بالمعروف الدعاء لَُ: قال البربهاري -رحمَهُ اللهُ-: (وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة -إنْ شَاءَ اللهُ-. وقال الطحاوي -رحمَهُ اللهُ-: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة). ونحن في هذا البلاد بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية بايعنا سلمان بن عبدالعزيز ملكاً على البلاد بيعة شرعية على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.. كما بايعنا محمد بن نايف ولياً للعهد.. وبايعنا محمد بن سلمان ولياً لولي العهد بيعة شرعية مقتضاها السمع والطاعة بالمعروف. ونسأل الله أن يعينهم على ما ولاهم إياه وأن يسددهم في القول والعمل، كما نحمده سبحانه على مايسّر من الأمر وتمت هذه البيعة المباركة بكل يسر وسلاسة، وهذا إن دل فإنه يدل على بركة هذه الأسرة على البلاد التي أرسى دعائمها الإمام محمد بن سعود، وأشاد بنيانها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -رحمهما الله-.. ولازالت بركتهما تتوالى على بلادنا وعلى الأمتين العربية والإسلامية. والملك سلمان اسمه يغني عن الحديث عنه فهو رجل الدولة المحنك وهو مدرسة في ذاته في الحكمة والحزم والعزيمة،والأمير محمد بن نايف ولي العهد ممن نذر نفسه ووقته لخدمة هذه البلاد والأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد والذي كان لي شخصياً شرف الالتقاء به في عدة لقاءات رأيت فيه الطيبة وحسن المعشر مع الحزم والحكمة وحدة الذكاء، كما أنه يمثل شريحة الشباب التي هي الشريحة الكثر في مجتمعتنا نسأل الله يوفقهم ويسددهم ويعنهم وأن يعلي بهم كلمته ويعز بهم دينهم وأن يغيظ بهم أعداءه إنه ولي ذلك والقادر عليه.