في البدء بعيدا عن (شخصنة) القضية وبعيدا عن سخرية الغوغاء في وسائل التواصل. وبعيدا عن الذين يصطادون في الماء العكر. سأتناول قصيدة الشاعر حيدر بالنقد من خلال رؤية أميلُ فيها إلى الموضوعية ما استطعت إلى ذلك سبيلا. في رأيي أن الشاعر لم يوفق في هذه القصيدة بشكل عام، وإن كانت القصيدة لم تخل من بعض الخطرات الجميلة، ولكنها لم تراع مقتضى الحال! ومن الأسباب في عدم إجادة الشاعر في هذه القصيدة إلقاء ونصا وأسلوبا ما يلي: - لقد سقط الشاعر في طريقة إلقاء القصيدة، ولعل ضعف الإلقاء والتكلف في الليونة كانا سببا رئيسا للحملة الشعواء ضده. ولم يكن الإلقاء مناسبا ألبتة ولاسيما في هذه المناسبة الرسمية، وكان الأولى به أن يشيع بصوته أجواء الحماسة والمديح، وإن كانت القصيدة بإيقاعها ووزنها الخفيف ولغتها الناعمة لم تسعفه في ذلك. - لم يوفق الشاعر في اختيار اللغة المناسبة للحدث، وكان من المفترض أن يسرد صفات الممدوح بما يتناسب مع الملوك من شجاعة وعلو همة وحكمة وحزم وعزم. وكان الأولى بالشاعر أن يختار اللغة الجزلة والكلمات الطنّانة التي تشيع في النص روح الإباء والشجاعة إلا إن لغته كانت لغة حميمية تتناسب مع حالة الغزل أو مع حالة اجتماعية. - لم تكن صوره الخيالية وتشبيهاته مناسبة للحدث والمقام. - يغلب على القصيدة التقرير والكلام المباشر وهذه مثلبة من مثالب الشعر، فلابد من الأسلوب التصويري في الشعر ومن ذلك قوله: ستظل البلاد خضراء خضراء تُظِلُ النبات والإنسانا وهنالك أمثلة في الأدب القديم لشعراء جانبوا الصواب في اختيار المفردات التي مدحوا بها الخلفاء، فهذا جرير مدح الخليفة عبدالملك بن مروان بقوله: هذا ابن عمي في دمشقَ خليفةٌ لو شئتُ ساقكم إلي قطينا فلما سمعه عبدالملك قال: (ما زاد على أن جعلني شرطيّا، والله لو قال (لو شاء) بدلا من (شئتُ) لسقتُهم إليه قطينا (أي: خدما وأتباعا)، وقد خاطب الشاعر خصميه الألدَّين: الفرزدق، والأخطل، ولكنه أخطأ حين جعل الخليفة بمنزلة الشرطي له، يأمره بسوق هؤلاء فيفعل، وهو مقام لا يتفق ومكانة الخليفة. (وها هي ليلى الأخيلية تمدح الحجاج فتقول: شفاها من الدّاء العُضال الذي بها غلامٌ إذا هزّ القناة سقاها فيؤخذ عليها قولها: (غلام) ولو قالت (همّامٌ) لكان أبلغ لما في كلمة (غلام) من إيحاء بالجهل والطيش وقلة الخبرة والتجربة في الحياة، والشعر الفصيح المتمكن كانت له صولات وجولات في شعر المديح في أدبنا السعودي وقد حفظت لنا كتب الأدب العربي السعودي قصائد فصيحة في غرض المديح خلّدها التاريخ ولا زلنا نرددها ونطرب لسماعها، ومن ذلك القصيدة الرائعة للشاعر محمد بن عثيمين في مدح الملك عبدالعزيز، رحمهما الله، (العز والمجد) وهذه القصيدة كانت في منهج الأدب الثانوي في المناهج القديمة سقى الله أيامها! ولا ننسى قصائد غازي القصيبي الرائعة في مدح الملك فهد في أزمة الخليج، رحمهما الله، فلا زلنا نرددها ونتغنى بها.