لم يكن البروفيسور أنور حمدي أستاذنا في الصيدلة وعلم الدواء فقط، بل كان ولا زال مرجعا لنا في الفيزياء والطب والعلوم وسائر أنواع المعارف، تبهرنا موسوعيته العلمية وأخلاقه وتواضعه وبساطته. لقد كان البروفيسور إلى جانب تفرده في علم الدواء والعلاج السريري نابغة من نوابغ العرب في العلوم، قال لي ذات مرة ونحن نمشي في إحدى ممرات الكلية: لو أخذنا 1 كجم من الحديد الصافي ثم قطعناه 1000 قطعة وزن كل واحدة 1 جرام وكل قطعة من هذه القطع تحتوي عددا هائلا من أجسام متناهية الصغر اسمها "ذرات"، ففي كل جرام واحد من برادة الحديد هناك عشرة آلاف بليون بليون ذرة، ولكي تتخيل هذا الرقم أكتب 1 وضع على يمنيه 22 صفرا . وهذه الذرة الكروية صغيرة جدا - ولا زال الحديث له- ولكي ندرك هذا الصغر فإننا لو صففنا هذه الذرات بجانب بعضها البعض بخط مستقيم فسنحتاج 320 ألف ذرة حتى يصل طول هذا الخط إلى عرض شعرة من شعرات رأسك التي لا يتجاوز قطرها 100 ميكرون، ونظرت في وجه زملائي الذين تحلقوا حول الدكتور وهو يحدثنا وأومأ الجميع برؤوسهم إعجابا لا فهما -على ما أظن. وفي مكتبه أكمل البروفيسور حديثه عن ذرة الحديد: تحتوي ذرة الحديد على 26 إلكترونا تدور حول نواتها، وهذا الإلكترون غاية في الضآلة بحيث لو افترضنا أننا قمنا بتكبير قطر ذرة الحديد بحيث يصبح حجم الذرة معادلا لحجم 75 مدينة، في كل مدينة من هذه المدن 800 ناطحة سحاب وكل ناطحة سحاب ترتفع 90 طابقا، فإن قطر هذا الإلكترون الضئيل حينها سيصبح بعرض شعرة الآدمي! عندها صاح زميل لنا : غير معقول يا دكتور، فابتسم والتفت نحوه يعيد شرح هذه الحقيقة الغريبة وختم شرحه قائلا (وقل رب زدني علما)، ثم دعانا لمحاضرة يلقيها في المساء عنوانها "حقائق غير قابلة للتخيل"، وانطلقنا لحضور المحاضرة وهل هناك من لا يقبل دعوة البروفيسور؟!