وضع ديننا الإسلامي الحنيف الأسس والدعائم العدلية التي تكفل للمرأة المساواة والحقوق، كما سن القوانين والقواعد التشريعية التي تصون كرامة المرأة وقداستها، ويمنع في الوقت ذاته استغلالها جسديا أو عقليا، ثم ترك لها الحرية في الخوض في مجالات الحياة الاجتماعية، ومن هذه الحقوق احترام كيانها في الأماكن العامة، وعدم الإساءة إليها سواء لفظيا أو بدنيا، كما حصل لحالات اعتداء سابقة تم تصويرها وتداول مقاطعها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ومعروف أن المرأة في الأماكن العامة تحديدا تتعرض لكثير من المشكلات والمضايقات من بعض المتطفلين والجانحين الخارجين عن قواعد الضبط الديني والأخلاقي والاجتماعي. وأكثر ما تتعرض له المرأة المعاكسات الخادشة للحياء في المجمعات التجارية والمولات، والتحرش حتى وهن برفقة أطفالهن. باللمس أو بالكلام فقط. بل إن الأمر ربما يتطور ليصل إلى حد العنف، كما حصل في حالات تم نشرها في بعض الصحف، ومعروف في "علم الاجتماع الأسري" أن العنف يأخذ عدة مظاهر وأشكال وأنماط، كالعنف البدني من ضرب واعتداء جسدي، والعنف اللفظي باستخدام الإساءة بقذف العبارات اللفظية والكلام الخارج عن الذوق الاجتماعي، وهناك "العنف الرمزي"، وهو ما يصدر من البعض من احتقار وازدراء وكراهية للمرأة، سواء في الأماكن العامة أو غيرها. والأكيد أن أكثر ما تتعرض له المرأة في هذا السياق من عنف، ما يسمى "العنف اللفظي"، ويظهر هذا النمط من العنف خلال المعاكسات الخادشة للحياء، والتجاوزات المخالفة للمبادئ التربوية والحقوق الإنسانية، وأصبح بالتالي بعض الشباب -مع الأسف- يتنوعون في الأساليب والطرق المبتكرة لفظيا في التحرش بالمرأة، عن طريق إطلاق الألفاظ غير اللائقة، وكذلك الحركات المشوّهة للذوق العام، والمسيئة للقيم والمعايير الاجتماعية الأصيلة، والأكيد أن هذه الممارسات اللاحضارية، والسلوكيات الجارحة للذوق الاجتماعي، والمسيئة للمرأة في الأماكن العامة، تنم عن خواء فكري وفراغ نفسي وإفلاس أخلاقي، من بعض الخارجين عن دائرة الأدب والحياء والقيم الأخلاقية الفضيلة. وللحد من ظاهرة الإساءة التي تتعرض لها المرأة في الأماكن العامة وحمايتها، ينبغي سنّ نظام يفرض عقوبة صارمة ضد كل من ينتهك حقوق المرأة في الأماكن العامة، وتعنيفها سواء بالعنف اللفظي أو البدني. فالتعدي على الخصوصيات يستلزم فرض نظام يجرّم هذه التجاوزات والأعمال المخالفة لقواعد الضبط الأخلاقي والاجتماعي والديني، بالسجن والغرامة المالية وربما التشهير بالمسيء، وذلك بوضع صورته في المكان الذي مارس فيه سلوكه المشين وعمله القبيح!، كما يحدث في بعض الدول الخليجية على سبيل المثال، حتى يرتدع الآخرون ممن تسول لهم أنفسهم هتك وخرق حقوق المرأة في الأماكن التجارية وغيرها، سواء بالألفاظ البذيئة أو الاعتداء الجسدي وتعنيف الحالة! كما أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وهي الأسرة والمؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية والدينية، لها دور تربوي، وحراك "بنيوي" في تنوير العقول وتوعية المجتمع بما يسهم في الحد من انتشار مثل هذه القضايا الاجتماعية الخطرة. قضية الاعتداء على حقوق المرأة في الأماكن العامة وغيرها، وتجاوز الخصوصيات، بالذات المؤسسات الدينية ومنطلقاتها الوظيفية عبر المنابر الإعلامية والمساجد. خصوصا أن هناك دراسة متخصصة أظهرت معطياتها العلمية أن تأثير خُطبة الجمعة في إيصال المضمون والتوجيه والتوعية والإرشاد القيمي والاجتماعي والتربوي أكثر من تأثير الإذاعة والتلفاز. ومن هنا، فإن هذه القضية المجتمعية تحتاج بالطبع إلى حلول علاجية ووقائية في قالبها المؤسسي، لضبط توازنها وكبح جماحها، قبل أن تتسع دائرتها المظلمة.