تمثل دوائر العلوم والثقافة في دول العالم المحرك الأساس للتطور والنماء في كافة مسارات البناء، وهي الموجه الأول لخططها ورؤيتها الإستراتيجية. ومن بوادر الطموح المتمثلة في الرؤية السعودية تبنيها لهذه الحقيقة في المستقبل المنظور، إلا أنه من الضرورة بحث وتقصي الواقع في مجمل مؤسساتنا التعليمية والثقافية لمعرفة توقعها من تلك الرؤية الطموحة. نحن بلا شك بحاجة لكل الأدوات القياس والتشخيص الملائمة، لرصد مستويات الإنجاز ورسم الخطط اللازمة لردم الفجوة بين ما هو قائم وما يمكن إدخاله من إجراءات علاجية لتحصيف العمل في دوائر العلوم والثقافة. ولو استعرضنا واقعها القائم بشكل عام لوجدنا أن أبرز المهددات تتمثل في الممارسات الإدارية مع الكوادر البشرية بطريقة تعتمد "المحسوبية" ولا تقدر المؤهلات العلمية وربطها بالاحتياجات في مجال العمل.. فالجامعات ومراكز الأبحاث ومصادر المعلومات والهيئات الإعلامية... إلخ، لا تسعى لاستقطاب القدرات الوطنية مهما كان مؤهلها، وبالمقابل تستعين بالكوادر الوافدة بمعيار يعتمد المرونة وعدم التنافسية، مما أوجد ضعفاً في مستوى المخرجات المأمولة من تلك المؤسسات. كما أن المهدد الآخر والملاحظ بشكل أكثر خطورة يتمثل بالمؤهلات الوهمية للكوادر المنتحلة للشهادات الواهنة والضعيفة، والتي أصبحت تُعامل بنعومة وعدم اكتراث، وفي بعض الأحيان تحظى بالتشجيع والدعم من خلال تكليفها بمهام ومسؤوليات قيادية في مؤسسات الدولة، وتبرر تلك الممارسات من متخذ القرار بأن تلك التكليفات غير مرتبطة بدرجة وظيفية، وليس لها حافز مالي مباشر!! والواقع أن تولي مسؤوليات على أساس تلك المؤهلات الوجاهية يمثل دعماً غير مباشر ويسهم في إحباط لذوي المؤهلات الحقيقية مما قد ينعكس على مستقبل الانخراط في الدراسات العليا مستقبلاً، ويزيد من عبثية هؤلاء المنتحلين للدرجات العلمية في مؤسسات الدولة وفي المجتمع بشكل عام. إن الواجب المفترض تطبيقه تجاه تلك المهددات للرؤية السعودية الطموحة، هو المواجهة بصراحة وحزم لتلك الممارسات الخاطئة، وتحديد إجراءات عقابية رادعة، بفرض الاحترام لمنظومة مؤسساتنا، وذلك بإحلال الكوادر الوطنية المؤهلة، وعدم السماح بانتحال الصفة العلمية إلا لمستحقيها وفق الأنظمة والتعليمات، والتي للأسف لا تحظى بالاحترام.