لا مناص أن التحولات الرهيبة في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يمر بها مجتمعنا السعودي الفتي في واقعنا المعاصر، نتيجة الانفتاح المعلوماتي، والانفجار التكنولوجي، ألقت بثقلها على بنية ونظم المجتمع السعودي الذي يعيش مرحلة شبابه، باعتبار أن 65% من تركيبته الديموجرافية (السكانية) هم من فئة الشباب، وما دون سن الثلاثين، وأفرزت العديد من التغيرات السلبية أو كما نسميها في علم الاجتماع (بالانوميا) أو أزمة اللامعيارية، وتعني التمرد على المعايير الاجتماعية المتفق عليها. وعندما نتحدث مثالاً عن مظاهر الزواج التي ظهرت بنمطية متعددة بسبب وتيرة التحديث والمعاصرة.. نجد هناك ما يسمى بالزواج "الفرند، وزواج الويكند" وزواج المسفار وزواج المسيار، وزواج التعارف أو الصداقة.. إلخ، طبعاً لما نتحدث عن هذه الإفرازات العولمية الثقافية.. يتضح جليا أنها جاءت بسبب فشل (الأبنية التقليدية للزواج) عن إشباع حاجات الأفراد بالطرق المتعارف عليها وحسب قيم المجتمع ومعاييره الأصيلة، فعندما نأخذ مثالاً نمطا جديدا من أنماط الزواج وهو (زواج التعارف) أو الصداقة.. نجد أن هذا النوع يكثر في المجتمعات المتحررة.. التي يكثر فيها الاختلاط، وتحديداً في الجامعات.. فهي مرحلة خطيرة للشباب والفتيات حيث تحدث قصص الحب والغرام بين الجنسين وفي معظمها تتحول إلى علاقة زوجية، أما في المجتمعات المحافظة.. فيقل مثل هذا النوع من الزواج بصورة نادرة بعكس المجتمعات التي يكثر فيها الاختلاط.. بسبب ما نشاهده اليوم في وسائل الإعلام والقنوات الفضائية من قصص الحب والغرام.. وما أفرزته شبكات التواصل الاجتماعية وتأثيرها السلبي في هذا السياق على السلوك والقيم والخيال والعاطفة. ولا شك أن قضية التعارف بين الجنسين الشباب والفتيات عن طريق الإنترنت أو الجوال هو أمر - مع الأسف - بدأنا نسمع عنه مع سرعة رياح الثورة الرقمية والتطور الاتصالي التقني.. والتعارف شيء جميل ولكنه في هذه الحالة إن لم يكن بالضوابط الشرعية سرعان ما ينقلب إلى كابوس أو وحش مفترس! والأكيد أن هناك أسبابا ودوافع وراء ظهور (زواج التعارف)، منها العامل الثقافي المتمثل في الانفتاح الرقمي وإرهاصاته المؤثرة، طبعا لا ننكر دور شبكات التواصل الاجتماعي وقنواتها الرقمية في الإثراء المعرفي والثقافي والاجتماعي، غير أن لهذه الشبكات الاجتماعية مخاطر وأضرارا على الأطفال والمراهقين!.. وأيضا الفراغ.. فالبعض (ذكورا وإناثا) يعاني من فراغ في الوقت، وآخر يعاني من فراغ في العاطفة، وإذا اجتمعت تلك –لا مناص- تؤثر في المشاعر والوجدان والخيال، وبالتالي تدفعها إلى إشباع الفراغين بمنهج اللاوعي.. فلا يجد بعض الشباب حلاً سوى أن يتعرف إلى فتاة ليقضي وقته معها، وتملأ فراغه العاطفي وربما تتطور العلاقة ويتم الزواج.. زواج الصداقة! وهذا نادراً من يحدث في مجتمعنا المحافظ.. لأنها حالات كثيرا ما تنتهي بالانفصال الوجداني والطلاق النهائي.. وما بني على باطل فهو باطل! وأيضاً من الأسباب البحث عن شريك أو شريكة حياة فيقضي البعض وقته في التعرف على الفتيات للبحث عن شريكة حياته، وهكذا الفتاة تبحث عن شريك حياتها، لا سيما العوانس وكم نسمع ونشاهد عن طريق الإنترنت من المقالات والعبارات عن الزواج! وهل يمكن وقوعه أم لا..!؟ ومع الأسف أننا نشاهد بعض المواقع والمنتديات تقدم دعاية للباحثين عن نصفهم الآخر.. بعبارات دعائية.. وأساليب ترويجية مثل: "سجل مجاناً معنا ودع الآخرين يشاركونك آمالك وتطلعاتك، والزواج بسهولة دون دخول في متاهات". وهكذا تتم عمليات الترويج والدعاية للزواج بالصداقة..! عبر المواقع الرخيصة والمنتديات المشبوهة.! طبعا نحتاج مزيداً من الدراسات الاجتماعية والنفسية والأبحاث العلمية المتخصصة التي تتناول العوامل المسببة والمؤثرة في ظهور مثل هذه القضية المجتمعية (زواج التعارف) وسبل علاجها وضبط توازنها قبل استفحالها.. وأيضا من الحلول النهوض بقالب التوعية الأسرية الرشيدة وتنوير المجتمع عبر وسائل الإعلام المختلفة، مع مشاركة المؤسسات الاجتماعية والدينية والتعليمية والثقافية والأكاديمية من خلال إقامة ورش عمل وملتقيات تنويرية تتناول المشكلة بعمق ووعي، وبالتالي رفع سقف الوعي المجتمعي وتحصين العقول ضد كثير من الأفكار المستوردة، والأمراض الثقافية الوافدة التي تناهض قيم مجتمعنا الفتي ومعاييره الاجتماعية الأصيلة.