ظهرت العلاقات العاطفية بين الشباب والفتيات في الإتساع والظهور ويُرجح بعض المختصين ذلك لعدة أسباب ومنها الإنفتاح الكبير الذي يشهده العالم اليوم وسهولة التواصل بين الشباب إضافة إلى عدم احتواء المحضن الرئيسي وهو الأسرة لمشاعر الشباب ، ومع هذه القضية والتلاعب بمشاعر الحب يقف المختصين والمستشارين الأسريين في موقف الموجهين والمرشدين للشباب والفتيات وتبيان خطورة الولوج في مثل هذه العلاقات التي تُخلف دماراً نفسياً يصعب الخروج منه والتمازج في الحياة من جديد ، "الرسالة" طرحت الموضوع على طاولة الحوار لنستوضح ما هي أسباب نشؤ العلاقات العاطفية بين الشباب ؟ وما هو دور الأهل في توعية الأبناء واحتوائهم ؟ وكيف نضبط العلاقات العاطفية وفق ضوابط الشرع ، وغيرها من الأسئلة في مضابط هذا التحقيق: إفرازات الانفتاح! يُعلق أ.عادل الخوفي " المستشار الأسري والإجتماعي بمركز التنمية الأسرية بالإحساء" أسباب انتشار العلاقات العاطفية بين الشباب نظرا للانفتاح الكبير في وسائل الاتصال فيقول:"أمسى العالم قرية صغيرة امتلأ فضائها باتصالات "الانترنت" و "الهاتف" فَفَتَحت الحدود وكسرت القيود، وأفرزت علاقات عاطفية بين الذكور والإناث، يلتقيان من خلال اتصال عابر أو منتدى مختلط، تُسَيِّرهم عاطفة جَيَّاشة مستعرة، يتوارى أمامها سُلطان العقل والإيمان إلا عند من رَحِم الله. يدفعهم إلى ذلك: الفراغ الوقتي، أو الفراغ العاطفي، أو الفراغ الإيماني، أو الرغبة في الزواج، أو الشهوة المُتَأجِّجة، أو ضعف العلاقات الأسرية، أو رفقة السوء ،تبدأ هذه العلاقة تحت ستار التعاون على الخير، أو إنجاز مهمة مشتركة، أو التعارف والتسلية، ثم تهوي بها شلالات العاطفة الدفَّاقة التي يبديها أحدهما للآخر، مع تطعيمها بشيء من التواصي على الخير، والأخوة في الله، ومجموعة أخرى من الحِيَل النفسية والمكائد الشيطانية، لتنتهي إلى خطوات يستدعي أولاها أخراها : مكالمات محرمة، وتبادل لصور محرمة، ولمسة محرمة، وخلوة محرمة، وعلاقة محرمة، تحت سمع الشيطان وبَصَره، ولأن العاطفة ليست القَيِّم الثِّقة على هذه العلاقة ، فقد وَجَّهت شريعتنا المباركة لضوابط تحكم هذه العلاقة وتُوجِّهها الوجهة السليمة، وإنَّ من أعظم صمامات الأمان التي تحفظ المسلم عن هذا المنزلق الخطير هو عبادتي الخوف والحياء، إذ إن الأول يبني فيه الرقابة الذاتية، والثاني يمنعه عمَّا يشين" وأضاف الخوفي مُشددا على أهمية غرس الخوف من الله فيقول:"مَنْ خافَ مولاه اتقى عقابَه بتركِ معاصِيه، في رقابةٍ ذاتِيَّة تكون أساس تصرفاته وجوهر تحركاته، قال عنها أحد السلف: " إذا أراد الله بعبد خيرا صير له واعظا من نفسه يأمره وينهاه" ذاك أن العبد هنا يضع نصب عينيه قول الله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) "سورة الأنبياء:47"، ثم إن ( الحياء لا يأتي إلاّ بخيرٍ ) "متفق عليه"، والحياء يمنع المسلم أن يتبادل كلمات الحب والغرام مع من لا يحل له؟! ويمنع المرأة الشريفة أن تهاتف رجلاً غريباً عنها؟! ويمنعها أن تخرج مع شيطان أغواها بمعسول الكلام ؟! وبيوتاتنا هي المعين الذي لا ينضب لاحتواء عاطفة أولادنا ذكوراً وإناثاً ، وهي أرحب صدراً لهم من خارجها ، يحتاجون فيها إلى ما يُشعرهم بأدوارهم ومكانتهم ، أن يعيشوا الحب والمُلاطفة والألفة بين أركانه. الأسرة واحتواء المشاعر! ويسترسل موضحا دور الأسرة في احتواء الشباب فيقول:"إن أفراد الأسرة المشبعة عاطفياً أكثر أماناً وبعداً عن الانحراف الأخلاقي، ممن حُرِموا الحب، واستباحهم الفراغ العاطفي، فكانت التفاتتهم للبحث عمَّا يروي عطشهم خارج الأسرة، في مهلَكات عاطفية ،فديننا لا يتصادم مع المشاعر الصادقة، ولا يجفف منابع الود والاشتياق، لكنه يُرشِّدها ويُهذِّبها حتى لا تورد صاحبها المهالك، فإنه كما قيل: "إذا كثر الإمساس قلَّ الإحساس"، وكثرة اختلاط الرجل للمرأة الأجنبية عنه، وقرب أحدهما للآخر جسدياً أو مكانياً أو ذهنياً، مع الخلوة أحياناً؛ سبب رئيس لتهييج الشهوة، ونزع الحياء، والاستهانة بالمعصية، يقول الحكيم الخبير: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) "، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان). تأثير الفراغ ومن جهةً أخرى يؤكد د.أحمد عزب " رئيس قسم الدراسات بكلية الآداب- جامعة الملك عبد العزيز " أن الفراغ هو أهم الأسباب فيقول:"لعل من الأسباب التي تدعو بعض الشباب إلى اللجوء لمثل ذلك وجود فراغ في أوقاتهم وعدم المعرفة بأهمية قضاء الوقت فيما ينفع الشاب وخصوصاً أن هذه المرحلة من أكثر المراحل التي يستطيع الشاب فيها تكوين شخصيته من الناحية العلمية والثقافية وحتى المادية، كذلك لعل من الأسباب عدم إدراك الشاب لخطورة هذا الأمر وما قد يتركه من آثار سلبية على حياته بعد ذلك وأعتقد أن الشاب لا يرضى لأخته أو أحد محارمه أن يتلاعب بها أحد الشباب العابثين وكذلك يجب عليه أن يجنب سائر الفتيات من مثل هذا التلاعب، كذلك لعل من الأسباب عدم وجود التوجيه والمتابعة من الوالدين وملاحظة أي تغيرات سلوكية على الابن، المنزل هو أساس التربية والتوجيه، ومن الجوانب التي ينبغي على الوالدين الاهتمام بها ومراعاتها الجوانب العاطفية، من حيث احتواء هذه العواطف وأن يكون الوالدان صدرا مفتوحاً وحانياً لمشاعر الأبناء ذكوراً وإناثاً فإذا وجد الأبناء الحب والعطف والحنان من الأبوين فلن يكون هناك بحث عنها خارج المنزل، والعكس بالعكس؛ فإذا فقد الأبناء هذه المشاعر داخل المنزل فسيتجه الأبناء للبحث عنها خارجه وهنا يقع الخلل، فلا شك أن الوالدين يحملان حباً وحنانا كبيرا للأبناء ولكن قلة من يعبر عن هذه المشاعر للأبناء بل إن البعض يرى في ذلك أمراً غريبا، ولكن من تأمل سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لوجدها تحفل بالعديد من الأمثلة والشواهد على هذه القضية وكيف كان عليه الصلاة والسلام يتعامل مع بناته رضوان الله عليهن أجمعين، وكيف كان يحبهن ويغدق عليهن من مشاعره الصادقة عليه الصلاة والسلام" ضوابط شرعية ويُشدد عزب على أهمية ضبط العلاقات العاطفية بضوابط الشرع حيث يقول:"العلاقات ينبغي أن تضبط بضوابط الشريعة وصحيح أن بعض هذه العلاقات قد تبدأ باهتمامات مشتركة من الطرفين ثقافياً أو علمياً أو مادياً أو غير ذلك ثم يتطور الأمر لتصبح علاقة عاطفية، وهنا نقول أن هذه النتيجة كانت مترتبة على مقدمات سبقت هذه العلاقة فهي لم تأت من فراغ وإنما قد يكون هناك تبسط غير محمود في التعاون في الجوانب المختلفة وتساهل في بعض الحوارات وعدم التحفظ في الكلمات التي يستخدمها الطرفان، لذلك ينبغي أن تكون الأمور واضحة ومحددة لدى الطرفين. أسباب العلاقات العاطفية! وتُوضح د. ليلى عبد الرشيد عطار"الأستاذ المشارك بكلية التربية – جامعة الملك عبد العزيز" أسباب لجوء الشباب والفتيات إلى العلاقات العاطفية فتقول:"يعود ذلك إلى عدة أسباب مختلفة ما بين دينية وعاطفية وأخلاقية ونفسية ،أ- فالأسباب الدينية تتلخص في الآتي:1- ضعف الوازع الديني وغياب رقابة الله عز وجل والخوف منه ،2- الجهل بالحدود والضوابط الشرعية بين الجنسين ، 3- غياب التربية الإسلامية الأسرية للذكور والإناث، وتدريبهم عليها منذ نعومة أظفارهم كآداب للنوم والاستئذان والطهارة إلى غير ذلك. ب- الأسباب العاطفية: 1- عدم إشباع الحاجة الفطرية للحب والحنان والاهتمام من قبل الأبوين، ووسائل التعبير عن الحب "القبل والحضن والمسح على الرأس وكلمات الحب والدعاء له وتلقيبه بالأسماء الجميلة" 2- افتقاد الجو التربوي الدافئ في الأسرة مما يفقد الطفل الاستقرار النفسي والاتزان الانفعالي والاطمئنان الروحي. ج- الأسباب الأخلاقية: 1- غياب بعض الآداب والسلوكيات في المنزل مثل غض البصر ، الاختلاط بين الجنسين في مرحلة البلوغ أو بعدها. 2- غياب مفهوم العفة وآدابه وفوائده وكيفية المحافظة على العرض وفق المنهج الإسلامي ، قم بيان عقوبة التعدي على الأعراض بكل أشكالها وأنواعها من خلال سورة النور وغيرها. 3- خدش حياء الذكور والإناث بمختلف الأساليب ، فيتساهل في الكثير من الأحكام الشرعية والأخلاقية. 4 - الإدمان على بعض القنوات الفضائية المبتذلة والصور الفاضحة ، والأغاني المثيرة مما يشجع الجنسين على تجاوز الضوابط والأحكام الشرعية". الوعي التربوي ! وتستطرد العطار مؤكدة على أهمية البيت في احتواء الشباب فتقول:"حتى يتم احتواء عواطف الشباب والبنات في البيئة الأسرية ، فهي تبدأ منذ نعومة أظفاره من خلال الإشباع الطبيعي المعتدل لعاطفته بالوسائل التي ذكرتها، بالإضافة إلى الرضاعة الطبيعية من الأم ، لأنه من خلالها يتم تكوين الجهاز العاطفي الوجداني الذي يلازم الطفل إلى نهاية عمره ، وكلما كانت البيئة في احتواء الطفل عاطفياً ونفسياً في جميع مراحل حياته، وبالعكس إذا كانت البيئة الأسرية مشحونة بالاضطرابات والخلافات والمشاكل والصراخ فإنه تشوش على الطفل وتفقده الشعور بالأمن النفسي ، وتجمد عواطفه ، وتشل تفكيره ، وتشتت تركيزه، ومثل هذه البيئة التربوية لا تكون إلا بوعي الوالدين التربوي بدورهما الخطير في إشباع جميع الحاجات النفسية للطفل في جميع مراحل عمره ، وتهيئة الجو العاطفي السليم لينمو في هدوء وثبات، أحياناً تبدأ بحوارات فكرية وثقافية واهتمامات مشتركة ثم تتحول إلى عاطفية وجاءت الشريعة السمحة بالكثير من الاحتياطيات الوقائية التي تضبط هذه العلاقات ، وتحيطها بسياج من الطهر والعفة والرقي، فالإسلام اعترف بالطاقة الجنسية ، ووضح في الرجل ميلاً للمرأة ، ووضع في المرأة ميلاً للرجل ، فأمر الجنسين بغض البصر ، والحجاب للمرأة ، والفصل بينهما في قاعات العلم ومكاتب العمل ، وإن اضطر الجنسين للتواصل والحديث من وراء حجاب بدون تكسر وإغراء وإنما باحترام وخوف من الله.