قال رئيس مختبر السرديات أستاذ الأدب والنقد في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الحسن الثاني في المغرب الدكتور شعيب حليفي أن قراءة الراوية موهبة لا تقل عن الكتابة الإبداعية، وقراءة نصوص الرواية لا تتحقق إلا من خلال القراءات النصية النافذة بالنوع الأدبي، مؤكداً أن النقاد يكتبون نصوصا سرية يخشون الإفصاح عنها وعن مضامينها لقرائهم خشية أن يعتبروها نشازاً عن كتابة القراء الذين يتعاملون مع هؤلاء النقاد، موضحاً أن هناك نصوصاً متجددة في الحياة والحضور من خلال القراءة بالرغم من أنها غائرة في التاريخ، وتحضر فيها قراءات متعددة ومختلفة تكاد تكون مدونة لعدة قراءات لنص واحد عبر مئات السنين. وأشار حليفي مساء أول من أمس في معرض محاضرته "كيف نقرأ الرواية" في أدبي الأحساء، إلى أن قراءة الرواية صراع للعلامات والرموز بين التخييل والأدوات النقدية التي قد تبدو صارمة إلا أنها نابعة من عمق التخييل، مضيفاً أن القراءة عراك في جوالات مفتوحة، وقد تخدع الرواية من خلال تقنياتها ودلالاتها الناقد وعدته، إذا ما كان النص قوياً ومحبوكاً، فيلجأ الناقد إلى إعطاء تأويلات مباشرة، والحال أن كل النصوص التي تحكمها جماليات عالية لا تسلم نفسها بسهولة إلى قرائها وناقديها. وأبان أن قراءة الرواية شهدت تحولاً ملموساً في أواخر الستينات مع صعود التطورات المختلفة، وعادت فيها القراءة إلى مفهومها الجمالي من المفاهيم النقدية إلى قراءة نصية إبداعية. وتساءل الدكتور شعيب: هل يمكن أن نختلف اختلافًا جذريًا حول أي نص أو خطاب؟، أم إن نظامًا سحريًا ثقافيًا يحدد ويصوغ ذوقنا الجماعي وبالتالي نحكم فيما يتعلق بالجميل وبالجمال في النصوص التي نقرؤها ونتعامل معها، وتطرق الحليفي خلال محاضرته إلى نماذج نقدية لروايات للناقد المغربي محمد برادة، ومنها "امرأة النسيان" معتبراً أن النص يغير من دلالاته باستمرار حتى يحيا على الدوام. كما يجب على الباحث أو الناقد ألا تساوره ذرة من الشك في الإبداع الإنساني، مشيراً إلى أن النص الحداثي مكتوب بالدرجة الأولى للصفوة. وخلال قراءته لرواية "امرأة النسيان" وصفها بأنها نص لتمجيد الفن وانتشال الحياة من الرتابات الفاسدة ومن الانحرافات الرخيصة، وهي نص مستدرك ينفتح على نص سابق، يلتقط منه نطفة وخميرة ليستدرك بها بياضات في حياة رواية "لعبة النسيان" وإشباع لحظة منفلتة وضاجة، حيث يستحضر الراوي في بداية روايته حواراً قاسياً على لسان "سالومي وهي تخاطب رأس يوحنا". وداخل الناقد محمد العباس، بالإشارة إلى أن الدكتور حليفي لا يقل امتلاء عن برادة في التفاعل مع النص وبالتالي كشف مكنوناته، مبيناً أن المحاضر دعا إلى قراءة النص من خلال المتلقي الذي هو كيان على درجة من التفاعل مع النص، وتجاوز المستلقي وهو مستهلك النص، مؤكداًً أن النص آلة كسولة غير قابلة للتحرك، إلى أن يأتي قارئ فطن يستطيع أن يحرك هذه الآلة الساكنة، مبيناً أن المحاضر أراد خلال عرضه للقراءات النقدية للناقد البرادة أن يفعل الذائقة النقدية المركبة من المعرفة والحساسية الجمالية والخبرة والذاكرة، مبيناً أن ميثاق القراءة الصحيحة يؤكد على عدم تجاوز تشظيات النص والدخول إلى ما وراء الحكاية، واكتشاف ما بين السطور، وعدم الاكتفاء بقراءة المحكي. وقال العباس معلقًا" لقد استطاع الدكتور شعيب من خلال قراءته لرواية محمد برادة أن ينقلنا في تفاصيل النص من زاوية إلى أخرى، وشاهدناه يقرأ بالعين الثالثة وبكافة الحواس، وكان يقرأ برحابة وباتساع وبجمالية مفرطة ليمدد النص على مستوى القراءة والكتابة.