هذا الكتاب ذو موضوع طريف ينبئ بذلك عنوانه، أورد فيه المؤلف الأخبار والآثار، وذكر النتف والملح والأشعار، كما أورد في صدر كتابه معلومات ومعارف مفيدة، فتحدث عن حد الجنون، وبين قيمة العافية وسلامة العقل، وانتقل إلى الكلام عن أصل الجنون في اللغة ومعانيه المختلفة، ثم ذكر أسماء المجنون في اللغة كالمعتوه والمائق والموسوس، وأورد طائفة من الأمثال المضروبة في الحمق والحمقى وأشار إلى ما يوصف بالحمق من غير الناس كالضبع والعقيق، وإلى أسماء جنون الدواب، وفصل القول في ضروب المجانين وأصنافهم والأسباب التي أدت بهم إلى تلك الحال، والدواعي التي حملت بعضهم على التظاهر بالجنون للوصول إلى غاية معينة، وأبرز دولة الحمق والجهل ووفرة حظوظ المنتسبين إليها، أما في صلب الكتاب فجعل يروي أخبار جماعة من عقلاء المجانين وأوصافهم، ويعزوهم إلى بلدانهم ويسجل أقوالهم وأشعارهم ورسائلهم، واتبع ذلك بأخبار جماعة من المجانين الأعراب وطائفة من مجانين النساء، وانتهى بذكر مجانين لا تثبت أسماؤهم ولكن تعرف أخبارهم وأشعارهم وأقوالهم. ومؤلف الكتاب أبوالقاسم الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب النيسابوري من رجال القرن الرابع الهجري، وهو مفسر وإمام في القراءات وأديب ونحوي، واشتهر بمعرفته بالمغازي والقصص والسير وهو ممن سمع الحديث ورواه وانتشر عنه بنيسابور العلم الكثير، وكان يفيد أهل بلده بلا مقابل، ومن مؤلفاته التنزيل وترتيبه. وقد حقق الكتاب الدكتور عمر الأسعد وقدم له بمقدمة موجزة ومن أخبار الكتاب: 1 أنشد عبيدالله بن محمد بن عائشة: ومن كانت الدنيا هواه وهمه فذلك مجنون وإن قيل عاقل وقال آخر: المجنون من التمس رضى الناس بسخط الله. قال إسماعيل بن عطاء العطار مررت بسعدون المجنون فلم أسلم عليه، فنظر إلي وأنشأ يقول: يا ذا الذي ترك السلام تعمدا ليس السلام بصادر من سلما إن السلام تحية مبرورة ليست تحمل قائلها مأثما
2 قال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: رأيت بهلول بن عمرو المجنون في بعض المقابر قد دلى رجله في قبر وهو يلعب بالتراب، فقلت له ما تصنع ها هنا؟ قال: أجلس قوما لا يؤذونني، وإن غبت عنهم لا يغتابونني فقلت: قد غلا السعر، فهل تدعو الله فيكشف، فقال والله ما أبالي ولو حبة بدينار، إن الله أخذ علينا أن نعبده كما أمرنا وعليه أن يرزقنا كما وعدنا ثم صفق يديه وأنشأ يقول: يا من تمتع بالدنيا وزينتها ولا تنام اللذات عيناه شغلت نفسك فيما لست تدركه تقول لله ماذا حين تلقاه 3 حدث أبو نعيم، قال: كنت جالسا عن حفص بن غياث بعد أن ولي القضاء، فدخل أبو الديك، وكان ذاهب العقل محتالا للمعاش في يوم شديد البرد حافيا حاسرا، فرحمه القاضي فدعا بجاريته فسارها فأتته بعمامة وخفين، وقال ادفعيه إلى أبي الديك، فدفعته إليه، فقال: أيها القاضي جزاك الله عن الأطراف خيرا، وحرك قميصه، فضحك القاضي ثم قام فدخل بيته ثم خرج وقد خلع الجبة التي كانت عليه وقميصه ولبس غيرهما، فدفعهما إلى أبي الديك، فلبسهما، ثم قال: أيها القاضي حكي لي عن عبدالملك بن مروان أنه قال لبعض ولده: أي الثياب أعجب إليك، قال: ما رأيته على غيري، قال: فأي الرجال اخترته لنفسك؟ قال: أحسنكم اختياراً لنفسه، وقد اخترت أيها القاضي لنفسك حسن الثناء وسررت أبا الديك كل السرور إلا فطيرة، قال القاضي: وما الفطيرة؟ قال: شيء انصرف به إلى العيال، قال: حبا وكرامة، والله ما في منزلي ذهب ولا فضة، ولكني استقرض لك، يا غلام. قل لفلان أقرضنا دينارا وادفعه إلى أبي الديك، فقال أبو الديك: والله أيها القاضي ما أجد لك مثالا إلا ما قاله الشاعر: يعيرني بالدين قومي وإنما ديوني في أشياء تكسبهم حمدا وقول صاحبه: وما كنت إلا كالأعزابين جعفر رأى المال لا يبقى فأحيا به حمدا
4 قال عبيدالله بن القرشي: كان عتق أبي عوانه عجبا، كان أبو عوانة غلام يزيد بن عطاء الواسطي، فجاءه مجنون فقال: يا أبا عوانه هب لي شيئا حتى أنفعك، فوهب له شيئا فوقف يوم الجمعة على باب مسجد الجامع، وهو يقول يا أيها الناس، ادعوا الله ليزيد فإنه أعتق أبا عوانة فجعل الناس يأتون يزيد، ويدعون له ويشكرونه عليه، فلما أكثروا عليه دعاه فقال اذهب فأنك حر لوجه الله.