سعود الجعيد بعد سنوات طويلة من الاغتراب والترحال وجدت نفسي في حي معشي بمحافظة الطائف، حيث لاتزال البيوت القديمة على حالتها والشوارع الضيقة تنطق بأجمل الذكريات، ذلك الحي الذي عشت فيه أجمل أيام عمري، وهي فترة الطفولة، فعادت بي الذاكرة إلى تلك الأيام الجميلة، فقد كان هذا الحي عبارة عن عائلة واحدة، الأبواب مفتوحة والقلوب تتسع لكل الناس، كانت الحياة بسيطة، ولكن كانت السعادة عنوانا لهذا الحي، تذكرت أسماء غالية على نفسي، عشت معهم أجمل أيام حياتي. أسماء سطرت بحبها وعطائها أجمل عناوين الوفاء، قدمت وأعطت وأحبت الجميع بصدق، منهم من انتقل إلى رحمه الله، ومنهم من لايزال يعيش بيننا. كنا نجتمع نلهو ونلعب، وندخل إلى كل منزل بدون استئذان، فالناس في ذلك الوقت أبوابهم مفتوحة وقلوبهم مفتوحة، يفرحون بدخول أي طفل إلى منزلهم، ويقدمون له الطعام والحب في طبق من تراحم وود، ورغم الفقر الشديد الذي كنا نعيشه في تلك الفترة، إلا أن الله عوضنا بجيران طيبين استطاعوا أن يحتضنوا جوعنا وحاجتنا، ويدخلوا السعادة على قلوبنا الحزينة، فلم نشعر في يوم من الأيام بالحزن والألم، لأن الله وهبنا هذه القلوب الرحيمة التي عشنا معها أجمل الأيام، وكانت الحياة حلوة بكل معنى الكلمة، والحي يسكنه كثير من الناس وبعض المقيمين، ولكن تشعر بأنهم إخوة، فكل شيء كان جميلا في هذا الحي، ومشيت في شوارع الحي لأسترجع كل ذكرياتي القديمة والدموع تحوم في عيني متحسرا على تلك الأيام التي لن تعود، فلقد تغيرت الحياة وأصبح طعمها مختلفا، وتغيرت الأنفس وأصبحت العلاقات الآن تربطها المصالح والمظاهر والماديات، وذهبت تلك الأيام الجميلة، فغادرت الحي ولا تزال تلك الصور ترتسم أمامي وتلك الأنفس الطيبة تعيش معي، أتذكرهم وأحتفظ لهم بكل الحب، فأخلاقهم وطيبتهم لاتزال تعيش في داخلي، وتعلمت منهم أن فعل الخير لا يضيع، وسيبقى شاهدا على بياض قلوبهم وصفاء أنفسهم، فجزاهم الله كل خير.. هكذا كانت حياتنا في الماضي.