أمين عبدالرحمن من أصعب اللحظات هي لحظة الفراق، حين تجد نفسك على مشارف أبواب الوداع وقد غصت نفسك وتوقفت لغة الكلام، ليعزف القلب على أوتار الحسرة والحزن، فكم هي مؤلمة تلك اللحظات؟ حينها يشعر المرء بأنه يريد النفوث من نفسه والهرب بعيدا عن عالم الواقع، ليدَّثَرَ عن شعوره الخانق الذي أطبق على مجرى أنفاسه وصار يخنقه مع كل عملية شهيق وزفير، في لحظة الشعور هذه تكتسي الحياة بلونها الرمادي ويصير طعم التمرة مرًّا لا يستساغ بعد أن أنشبت الحسرة مخالبها على أوداج السعادة. نظرت (عائشة الحرة) إلى ولدها (أبي عبدالله الصغير) وهو جالس على صخرة يبكي بعد أن سلَّم الأندلس للنصارى ووقف على مشارف الأندلس يلقي نظرته الأخيرة، ويتذكر السنين التي قضاها بين قصورها وجناتها الساحرة، مودعا حياة الترف إلى منفاه الذي أجبر على الخروج إليه، حينها قالت له أمه: "اِبكِ كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال" كانت قطرات الدموع هذه هي آخر عهد المسلمين بالأندلس. ومن صور الفراق المؤلمة فراق الخنساء أخاها صخرا، فقد كان فراقا موجعا فجر منها أنهار الحسرة والحزن، وتدفقت حمم المشاعر شعرا وتعالى لهيبها، وتبدل حالها وصار طيف أخيها صخرا لا يفرقها، وبكت عليه بكاء مرًّا، حتى قيل إنها عميت من شدة البكاء. يمر عالمنا اليوم بأفواج المودعين والمفارقين لأحبابهم وبلدانهم تحت وطأة الوحوش الضارية التي أحرقت الأخضر واليابس، وتركت آثار فراق الديار والأحباب شاهدة على فظاعة المشهد. في سورية لا يميز الموت بين طفل رضيع أو شاب أو شيخ كبير، فبراميل الموت تهوي وتخبط خبط عشواء، لتحصد أرواحا بريئة وتخلف قلوبا تنزف حسرة وحزنا على فراق الأحبة والأوطان. كم هو قاس مشهد الوداع حين يختلط بالبراءة والطهر! كم هي مؤلمة دمعة الأرملة والمسكين حين يصرخ ولا يجد صدى لصوته! كم هي مؤلمة مشاهد قوافل الموت حين تفر من ظاهر الأرض إلى باطنها لتسكن جوف الأرض فيحتضنها ويبعدها عن عالم الخذلان والحرمان؟!!!.