في آخر ليلة من عام 1435ه، غيب الموت محارب بن علي السويد -رحمه الله-؛ إثر معاناة صامتة مع المرض، صابراً، محتسباً، راضياً بقضاء الله، وقدره -حتى اللحظات الأخيرة من حياته-؛ ليهزنا خبر رحيله من الأعماق، وتتحول حركة الحياة من حولنا إلى مشهد مربك. فقصة الموت قصيرة، تعبر في نهاية المطاف عن نهاية طبيعية للفراق، حين يرحل أصحابها بصمت ليل حزين، يناجي قسوة قلوبنا. تسحبنا دوامة الحياة رغم صعوبة الفراق، ومرارته، وأنت أيها الشيخ الكبير في مقامك، تنتقل إلى أول منازل الآخرة؛ لتذيقنا معنى الرحيل، وإن كان مراً، وطعمه علقم؛ لكنه لن ينسينا أرض ذكرياتك الجميلة، وستبقى حكايتك بطقوسها، وشخوصها، لا تموت فيناً أبداً. فلأن رحلت عنا بجسدك، فروحك ستظل كغمامة سحاب، تمطر خيراً كل ما ذكرناك. لم تكن بيننا في آخر لقاء جمع جيرانك، وأنت من مؤسسي ذاك اللقاء -منذ ربع قرن من الزمان-، فأحسست أنك اقتربت من الموت كثيراً، وطفحت عيناي بدمع، أمهلتهما حتى خرجت؛ لألتقط بعض صورك من الذاكرة، وأنا في غمرة الحزن على فراقك؛ لأنني سأتذكر وجهك المشرق بنور الإيمان، ونظرات عينيك قبل الوداع، وسأسترجع ذكرياتك الجميلة دون أن نرفض المكان، أو نهرب من الزمان، وسيغيب عن المشهد مكان مصلاك في مسجدنا، وسأفتقد أخلاقك المليحة، وابتسامتك اللطيفة. أبا علي: أراك رحلت عنا يا رفيقي بلا رجوع، وقد اختبأ حبك في حنايا القلب، بعيداً عن التذكار الذي لن يرحمنا، وبعيداً عن الأشواق التي لن تتركنا.. فالحياة لم تبن على الاجتماع، واللقاء، بل جُعل الفراق أساسا لها. ولن يجدي بكاء القلب؛ حتى وإن وقفنا على قبرك بحب، واطمئنان، ولن يطرق ذاكرتنا أبواب النسيان؛ لأنني لن أنسى صورتك المشرقة، ولا همتك الوقادة. للفراق علينا حق التسليم به، فليس بيدنا حيلة أمام تصاريفه، وتقلباته.. وستمضي بنا الحياة وفق سنن خالقها، إلا أننا سنرسم وجه الحنين إليك مبتسماً دون جزع، وسنرفع أكف الضراعة إلى الله -جلّ في علاه-، بطلب الرحمة لك في الخفاء من الرحيم -سبحانه-، فهو خالق الصفاء بالأرواح، وهو من يعلم وحده كم من الخير نرجوه لك، بأن ينير قبرك، ويوسع لك فيه، ويبلل تربته بفيض من خيره، وأن يجعل نسائم الجنة تهب عليك.