يطرح الشيخ عادل الكلباني في كتابه "المربع الثاني" جملة من الآراء جاءت على شكل مقالات كتبها في عام ونيف، وتناول خلالها مسائل بالغة الأهمية مثل حرية الفكر وفوبيا المرأة وقضية لبس الشماغ والعمامة وغيرها من المواضيع التي تثير الجدل وتستدعي التوقف والتأمل. شماغ وعمامة مملكتنا الحبيبة مترامية الأطراف، وتجمع مناطق مختلفة الثقافات، ومتنوعة التضاريس، والتقاليد والعادات، وفيها مذاهب دينية وفكرية مختلفة، بل ومتضادة حينا، كلها اجتمعت تحت هذه الراية الخالدة التي صدع بها حبيبنا، فجمعت الناس تحت لوائها، واحتوتهم في جميع أحوالهم، حتى إن المنافقين كانوا يعيشون بين أهلها يعرفونهم بسيماهم، لكنهم يلتحفون عباءة وحدة نسج خيوطها وحاكها أجمل حياكة هذا الدين الحنيف. ومهما ذكرنا من اختلافهم في ذلك فلن نختلف على أن من فعل شيئا يقصد به التأسي بالنبي فهو مأجور على ذلك، لكننا سنقف معه في حوار إن أراد أن يلزم الناس بهذا التأسي، إن كان مما اختلف في كونه أسوة أم لا. وليتضح ذلك أمثل بما ذكر في لقاء فضائي قريب مع بعض الأحبة ممن ينتسب إلى الصوفية، لأناقش المسألة، لا لأفرض رأيا، أو لألزم أحدا بمفهومي، ولكن من باب الحوار، والرأي. فالشيخ (الصوفي) الجليل، يلبس العمامة، وحين سئل عن سر لبسه لها، وكذا من ينتسب إلى (الصوفية) في الحجاز، المنطقة الأغلى على قلوبنا من هذه المملكة الغالية، ذلكم أن اللباس المشتهر في مملكتنا هو الغترة أو الشماغ، كان جواب الشيخ الفاضل أن العمامة سُنَّة نبوية، فهم على آثارها يقتدون. والنبي، بلا شك كان يلبس العمامة، وفي كتب الفقه حديث عنها وعن المسح عليها، فلا جدال في أن العمامة لباس عربي أصيل، وأن نبينا كان يعتمّ. بيد أنه يبدو لي أن الجواب نوع من هروب، ويعجبني أن يكون المرء صريحا وواضحا، فلو كان جواب الشيخ المبجل أن هذا لباس توارثناه في (منطقتنا) كما توارث قوم في مناطق أخرى من هذا البلد الكبير العظيم لباسا وفنونا وتراثا، لكان الجواب أقرب إلى الإقناع، ويمكن أن يوصل إلى الاقتناع. لكن الذي سُكت عنه، أو حِيد عن جوابه، هو التميز الديني، لا مجرد شكل اللباس وماهيته، وبمعنى أوضح: هل لبس العمامة يراد به التميز الديني، بحيث يرمز إلى معتقد أو مذهب، فالجواب الذي لا حيدة عنه حينئذ هو: نعم. وهذا هو الذي جاء بالسؤال أصلًا. فالمذهب له دور في اختيار اللباس، والتميز به، كأنه إشارة إليه، وعنوان له، ولو كان مجرد لباس اختاره المرء لأن أهل بلده يلبسونه، أو لأنه اختيار شخصي له لما كان النقاش أصلًا، ولما طرح السؤال ابتداء. وهذا ينطبق على معتنقي المذهب الشيعي في بلادنا، حيث يلاحظ تمسكهم بلباس معين يشير إلى المذهب، ويعلن عنه ويميزه. فلو اقتُصر في المحافل والمقابلات الرسمية على اللباس الرسمي -الزي السعودي- ثوب وغترة أو -شماغ ومشلح- لكان أدعى في عدم تمييز طائفة عن أخرى، وأقرب إلى اجتماع الكلمة تحت سقف الوطن وفوق ترابه.
حرية الفكر الحرية معنى تتوق له الأنفس وتطرب لإيقاعه الأسماع، وهي هدف وغاية يتطلع إليها كل بني آدم، إذ بها ينال المرء كرامته، ويعتق رقبته من قيود تكبله وتحيط بعنقه، كما أنها حق من حقوق الإنسانية، وليست الحرية منَّة يتصدق بها أحد من البشر على غيره، وقد بعث الله من أجلها رسله وصفوة أنبيائه، ليحرروا العباد إلا من عبادته وحده لا شريك له. لكن طبيعة الحياة تفرض عدم وجود حق مطلق يتصرف فيه الإنسان كيفما يشاء دون حدود تنتهي عندها حرية الآخرين، وهي خطوط حمراء يثير تجاوزها الإحن ويشعل الفتن، وكل قوانين البشر التي تنظم الحياة تحد من الحريات، وكل الأديان السماوية والشرائع الدينية والعادات والأعراف فيها تقييد لا بد منه للحريات، وهذا من لوازم الحياة وصلبها، فلا وجود للحرية المطلقة إلا في حياة البهائم وشريعة الغاب، ولولا هذه القيود لأكل القوي الضعيف، ولما بقي حق لأهله {وَلَولَا دَفعُ 0للَّهِ 0لنَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٖ لَّفَسَدَتِ 0لأَرضُ} . وعلى ضوء هذه الأسس تكون الحريات الفكرية التي تسهم في الرقي بالمجتمعات وتعكس النضوج والعمق الذي يتحلى به البشر، وحيث كانت الحريات الفكرية من أهم ما يطلبه الإنسان كان لا بد أن تحظى بمراقبة فائقة حتى يحفظ لكل فرد حقه منها، فهي حريات مقتسمة، لكل فرد من أفراد المجتمع، حقه الذي لا يتجاوزه إلى حق غيره. وكثيرا ما نسمع هذه العبارة الجميلة (تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين)، فلا يحق أن تصادر حريات الآخرين ويتم التعدي عليها لأكون حرًّا ولو بسلسلة أفكار وعقول الآخرين، ولا يجوز أن تكون الحريات مطية للإساءة للآخرين والتعدي على أفكارهم وحقوقهم ومعتقداتهم. لقد كانت الأديان الأولى لا تسمح لأحد بأن ينطق ببنت شفة ويمس شيئا من عقائدها وأحكامها المحرفة، لكن الإسلام الذي جاء لإيقاظ العقل وتفعيله، لم يغلق هذا الباب وأعطى الإنسان مساحة كبيرة من الحرية لم يعطها له دين ولا نظام قبله. والإسلام وإن كان لا يقبل أن يتعدى أحد على مسلماته فإنه أعطى العقل الحرية في التفكير والاختيار، لا في السبّ والقدح والطيش، ولم يضق ذرعًا بمن لم يقتنع به، لكنه لم يقبل تعدي السفهاء عليه، ولهذا أمر رسول الله بقتل كعب بن الأشرف وغيره لسبه له وطيشه، فحق لنا أن نعجب كيف يرضى أحد من بني جلدتنا أن تنال الذات المقدسة جل في علاه، أو يُمس العرض النبوي الكريم بحجة حرية الرأي والتعبير، ولا يقبل هؤلاء أن يمس أحد رموز الحكم في أي دولة بغمزة فضلا عن كلمة؟! ونحن معهم في عدم قبول أن تمس رموز الدولة الذين يجب أن يدخل الناس تحت رايتهم حتى لا تهتز ثقة الرعية فيهم فيهتز الأمن ضرورة، فكيف بمن مس أقدس المقدسات. والإسلام يحترم نتيجة التفكير أيًّا كانت ما دام أنها تقوم على مقدمات ومعطيات سليمة ولو في نظر المفكر، ونحن ننادي بالحرية الفكرية وحرية الإبداع وإثراء الفكر والثقافة وكل ما من دوره تنمية العقول والمهارات، ولم يكن السب أو الإلحاد في يوم ما مظهرا حضاريا أو طريقا لبناء الفكر والعقل، بل عكس ذلك تماما، فالإيمان هو أول وأهم أسباب الحضارة والرقي، خصوصا الحضارة العربية التي طمس الإلحاد بمختلف صوره معالمها. والحرية الفكرية لا يستطيع أي نظام في العالم أن يحد منها أو يمنعها لأن منبعها القلب والعقل الذي لا سلطان عليه.
أهل الحل والعقد تحديد المصطلحات وتصورها تصورا صحيحا مهم جدا حتى لا تختلط علينا المفاهيم، فنُخرج منها ما كان داخلا فيها، أو نُدخل فيها ما ليس منها، وليس يخفى أن التواضع على بعض المفاهيم عبر التاريخ الفقهي الإسلامي قد أكسبها قوة وكأنها دليل شرعي، ومن ذلك مصطلح (أهل الحل والعقد)، وهو مصطلح حادث لا وجود له في مصادر تلقي الشريعة، وإنما تواضع عليه فقهاء الأمة، وأكثروا من ذكره، لا سيما فيما يتعلق بأبواب السياسة والشريعة، وأهمها تنصيب خليفة المسلمين وحاكمهم، فقد كان رأي أهل الحل والعقد هو أحد الطرق التي يتمّ بها الترشيح والتنصيب، إضافة إلى الطريقة الأخرى المشهورة، وهي عهد الحاكم أو الخليفة الأول إلى من يراه أهلًا لتولي زمام الحكم بعده، كما هو الحال في بلادنا حرسها الله. وقد كان فقهاء الإسلام وعلماؤه حريصين جدا أن يتمّ تحديد هذا المصطلح، وتبيين شروطه، حتى لا يتهجم عليه من ليس من أهله، ومن أهم ما يجب اشتراطه وتوفره في أهل الحل والعقد ثلاثة أمور ذكرها الماوردي في "الأحكام السلطانية": أحدها: العلم، والثاني: العدالة، والثالث: الرأي والحكمة. لكن معنى العلم هنا لا يعني العلم بالأمور الشرعية وحسب، كما يتوهمه الكثيرون عند إطلاق هذا اللفظ (أهل الحل والعقد) وإن كان العلم الشرعي أيضا يجب توفره فيهم في المجموع لا في كل فرد منهم، فيكفي أن يوجد بينهم عالم واحد من علماء الشريعة وما زاد فهم زيادة في الخير، لكن المراد بالعلم هذا ما هو أكبر وأعمّ من ذلك. وعليه فإن احتكار منصب أهل الحل والعقد، واختزاله في علماء الدين، مفهوم غير صحيح، فإن منصب (أهل الحل والعقد) لا يحدث تلقائيًّا لمن أصبح عالما دينيا، بل هو منصب يتمّ باختيار ولي الأمر لمن يراه من علماء وأطباء ومهندسين، وصحفيين ومهنيين.
فوبيا المرأة كانت المرأة في الجاهلية مصدر شؤم وخوف من مصيبة تلسع سمعة أبيها أو أخيها، فكان من نتيجة هذه النخوة أن وأد الجاهليون بناتهم! وجاء الدين الحنيف ليرفع من قدر المرأة إلى مقام لم تعرفه في كل العصور والحضارات التي سبقت ظهور الإسلام، لأنها الأم الحنون والأخت العطوف، والبنت الغالية والزوجة الحبيبة. ولكن، يأبى كثير من (الغيورين)! إلا أن يعيدوا الأمر إلى سابق عهده، توجسا وخوفا من مصيبة متوقعة، فعاد وأد البنات، لكنه اليوم ليس دفنا في التراب، وإنما دفن لقيمتها ولحريتها، دفن لإنسانيتها ولكرامتها، والمصيبة أنه يصبغ اليوم بصبغة دينية، ويتدثر بلباس شرعي! والحقيقة المرة أن المرأة في أذهان كثيرين -ممن يرون أنهم أشد غيرة عليها ممن شرع لها الدين، وخلقها من ضلع آدم لتكون له سكنا، ونص على أنهن شقائق الرجال- أضحت عندهم مصدرا للقلق والريبة والتوجس خشية الانفلات، ففي كل نشاط تريد أن تمارسه تتهم بأنها لا محالة ستفسد أخلاقها، وتتخلى عن طهارتها، وتنزع جلباب الحياء، وتجلب العار لأهلها! فلويت أعناق النصوص ليحكم الخناق على الفتاة المسلمة فلم تدع لها متنفسا تستنشق منه هواء نقيًّا! وأوصدت عليها أبواب من حديد، وحكم عليها بالسجن المؤبد، لتقضي عمرها تقبع في بيتها كي لا يراها الآخرون! فما الناس -في أذهانهم- إلا ذئاب مفترسة تتربص بطرف عباءة أنثى لتصطادها، وتلتهمها لقمة سائغة. هناك نصوص تستحلب لتكون مرتكزا لذهنية علقت بها آثار الجاهلية الأولى، يرفعها (الغيورون) في وجه كل من أراد أن يخرج المرأة من قمقمهم، وأن يفتح لها كوة تتنفس منها الصعداء! فيقولون مثلا: أليس الله تعالى يقول {وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} . فإن قلت: هذا خاص بنساء النبي، قالوا: بل هو عام لكل النساء، من باب أولى. ولو أنصفوا لوجدوا في كتاب اللَّه تعالى قوله {وَ0لَّٰتِي يَأتِينَ 0لفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُم فَ0ستَشهِدُواْ عَلَيهِنَّ أَربَعَةٗ مِّنكُم فَإِن شَهِدُواْ فَأَمسِكُوهُنَّ فِي 0لبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ 0لمَوتُ أَو يَجعَلَ 0للَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا}، ويؤكده قول الحبيب بعد ذلك: «خذوا عني. خذوا عني. قد جعل اللَّه لهن سبيلا. البكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة، والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم». رواه مسلم.
من وحي معركة الكتاب في رسالة غاضبة من أحدهم زمجر فيها وأزبد وأرعد، واتهمني بأني أرضى بالكتب التي تسب الله تعالى وهي موجودة في معرض الكتاب! ذلكم بسبب ما قلت ردًّا على سؤال وجه إليَّ خلال زيارتي لمعرض الكتاب حول الحساسية الشديدة لدى بعضهم من الكتب التي يسمونها كتب ضلال وانحراف وما أشبه ذلك، فأجبت بأن أهل الحق يجب ألا يخافوا من وجود هذه الكتب، إذ يجب قبول ما فيها من الصواب، وما كان فيها من خطأ، فيجب ردّه بالبينات والزبر، لا بالشغب وعالي الصوت وانتفاخ الأوداج. وبعض إخواننا يكيلون التهم جزافا لكل من خالفهم ولو في فرع فقهي، وإلا فإن كل عاقل لا يرضى بسب الله تعالى، لا في معرض الكتاب ولا في غيره، بل إنا لا نرضى بمقال يسب الملك، فكيف بكتاب يسب ملك الملوك!!! {سُبحَٰنَكَ هَٰذَا بُهتَٰنٌ عَظِيم} . ولا نشك أن وزارة الثقافة والإعلام أو أحدا من القائمين على المعرض لا يريدون نشر مثل هذه الكتب التي تفسد الدين والأخلاق وتنشر الجهل وتدعو إلى الرذيلة وتحارب الفضيلة، كما يزعم الجهول، وإنما غرض مثل هذه المعارض في بلادنا أو غيرها من بلدان العالم، هدفها الإسهام في رقي الفكر وتنوع الثقافات ونشر النتاج الأدبي تحت سقف واحد. ولا ننسى أن القائمين على الوزارة، وفقهم اللَّه، هم اختيار ولي الأمر، الذي سعدنا جميعا بعودته، ورضينا ببيعته إماما وقائدا، ولسنا في شك من ديانته، وحرصه على نشر الخلق الرفيع، ورفع راية الفضيلة. إننا ننكر أشد الإنكار اتهام المسلمين بالكفر والزندقة والرضا بما يسيء إلى الذات الإلهية ورميهم بالعلمنة وما أشبهها من تهم أقلها السعي في تغريب المجتمع، والدعوة إلى التبرج والسفور، وهي اتهامات معلبة تصرف لكل مخالف، من دون تمحيص ولا تدقيق! والمشكلة العظمى أن أكثرهم لا يعرف شيئا عن هذه التهم وتلك الألقاب، العلمانية، الليبرالية، التغريب، التي يقذف بها الآخرون، سوى أنه سمع فلانا من الناس يقررها في أذنه، ويبرمجها في فكره وعقله.
اللحى المستأجرة قرأت رأيًا لأحد الفضلاء وسم فيه مخالفيه في قضية بأن لحاهم مستأجرة، وآخر نص على أن الفقيه المعارض لرأيه قد قبض الثمن!!! عبارات قرأتها من أناس يحسبون على الدعاة، ويلبسون لباسهم، ويتكلمون بألسنتهم، عبارات مشينة، وفيها من مخالفة الشريعة ما فيها، وهذا هو الذي دعاني لأكتب عن ذلك، ذلكم أن المعارض إنما ينطلق في معارضته من أس ديني، وحس شرعي، هكذا نظن. فإن كان الأمر كذلك فإنه من الواجب عليه أن يلتزم بالشريعة في مجادلته، ومحاجته، ونقاشه، وأن لا يطالب بالعمل بها في جانب يحبه ويهواه، ويخالفها حين لا تتفق مع هواه، وإلا كان هو ومعارضه في الإثم سواء!!! ولست هنا لبيان الحكم ولا مناقشته، ولكني رأيت عجبا من قومي وهم يتناقشون، ويتقاذفون التهم، ويكيلون بصواع المنافق حيث يفجر في الخصومة. والمفترض على الباحث لقضية ما التزام أصول البحث العلمي، وسلوك منهج النقد القويم، بعيدا عن الفوضى والمنازعات، وتكدير الجو العلمي الهادئ بالرطانة والصياح، الذي ينمّ عن ضعف الحجة أو عدمها، فضلا عن قذف الآخرين، والطعن في نياتهم ومقاصدهم بمجرد الاختلاف في فرع فقهي اختلفت فيه وجهات النظر. يحصل هذا في الوقت الذي يعالجون فيه القضايا المطروحة دون تنزيلها على النصوص، والنظر إلى الواقع نظرة المتأمل المنصف الذي ينظر إلى الأمام بعين بصيرة، بعيدا عن المؤثرات، والرواسب الفكرية التي لا تنسجم مع العصر الحديث وتفكيره وأطروحاته. فهل يجب على كل أحد أن يوافق على رأيك حتى تصبح لحيته (مملوكة) لا (مستأجرة)؟ أو أن تجزم بقبضه ثمن رأيه، لمجرد أنه خالف رأيك، هذا هو الإيغال في الترهيب، والتهويل، والأشد منه وصف اللحى بالليبرالية، فيما لو جاء هذا الوصف من غيرهم لقامت الدنيا ولم تقعد في بيان وجوب احترام اللحى وتقدير سنة المصطفى. إن من أهم إشكالاتنا الإسلامية اختزال الدين في مجموعتنا، وحصره في منطقتنا، واعتقاد أننا وحدنا من يملك الحق، وكل من خالفنا فهو على باطل، في أقل حالاته، وقد يرتقي به الحال إلى أن يصبح علمانيا، أو ليبراليا، أو عميلا، أو تغريبيا، هذا في حال كان حليقا أو أمردَ، وأما إذا انتسب لأهل اللحى، أو طلبة العلم والعلماء صار في نظرنا مغفلا، مستأجرا، طامعا في مال أو جاه، أو منصب! إن الانغلاق الفكري، والشعور بالاستئثار بالحق إنما ينشأ عن قلة العلم، وينبثق منه احتقار الآخرين، وسلبهم حقهم في مخالفة المستأثر، فيما يسوغ فيه الاختلاف، وسلبهم حقهم في التفكير والتعبير عن آرائهم، حتى يظل الباحث المتطلع يفكر بعقولهم التي صدئت وينظر بعيونهم العمشاء التي لا تفرق بين البياض والسواد. وليس هذا من آداب الإسلام، ولا من أخلاق السلف الذين يتشدقون بحبهم واتباعهم، فإن واقع السلف في تقبلهم الرأي المخالف بعيد جدا عن واقعنا، ومخالف لحالنا. إن محتكر الحق يضع بذور الفكر المتشدد، بل هو أحد أصوله، وطول جذوره، حين لا يتورع عن رمي الناس بالكفر، والتعامل مع المجتمعات الإسلامية كأمة باعت دينها وارتدت عنه.
المؤلف في سطور عادل بن سالم الكلباني إمام جامع الملك خالد بالرياض إمام صلاة التراويح بالحرم المكي إجازة في القرآن والقراءات العشر