فهد الغانم سواء وقّعت إيران على محضر الاتفاق لإنهاء ترتيبات حجاجها لهذا العام أو لم توقّع ولن توقّع، هذا شأنها، وقاعدة خالف تُعرف هي مسلكها الدائم، إلا أنه لا يحق لها إقحام هذه الشعيرة الدينية عند النظر إلى العلاقات السياسية بينها وبين المملكة المقطوعة أولا. وثانيا، هذا التجمع الإسلامي الكبير هو توجيه رباني يهم حجاجها بالدرجة الأولى، فقد قال جل وعلا: "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ". فهؤلاء الحجاج "الاعتباريين" وليس حجاج الحرس الثوري والباسيج، وهم يهمون في أداء الركن الخامس لهذا العام، سيعتزون كباقي المسلمين أنْ مّن الله عليهم بتلبية دعوة أبيهم إبراهيم الخليل -عليه وعلى نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم- لحج بيت الله الحرام، ليشهدوا منافع لهم، وليذكروا اسم الله في أيام معدودات، وليقضوا مناسكهم، ويوفوا أجورهم، فما شأنكم بهم يا ملاليهم المعممين. هم ينشدون من بلدهم تسهيل أمورهم، ووضع كل ما يساعد على راحتهم ووصولهم إلى الديار المقدسة، نصب أعينها، لأداء حجهم بكل يسر وسهولة وضرورة التنسيق مع الحكومة السعودية، والتقيد بالتزامات الحج، وعدم محاولة تسييسه. لكن، هذا الكلام الجميل والواقعي لا يلقى صدى يذكر لدى من يقود دفة العمل الديني داخل دولة الملالي الطائفية، فالدفع باتجاه الغوغائية وخلق الأزمات بين المسلمين وترويع الآمنين في مواسم العبادة شأن إيراني بات يتكرر كل سنة تقريبا. نشفق على هؤلاء المغلوب على أمرهم بفرض سياسة القوة والتحكم بهم عبر مقولة ساخرة أطلقها وزير الثقافة الإيراني علي جنتي عندما قال: "الظروف غير مهيأة لمواطنينا لأداء مناسك الحج". إن المملكة بما اتخذته من إجراءات جندت فيها جميع إمكاناتها وسخرتها لجعل كل موسم حجا استثنائيا، هي أيضا محاسبة أمام الله وليس أمام إيران ومن على شاكلتها، ولن تتوانى بالقيام بما من شأنه حماية حجاج بيت الله والمحافظة على سلامتهم. إيران ترى مكةالمكرمة العاصمة المقدسة وحرمها المكي الشريف بعيون سورية، ولذلك لن توقّع على أي التزامات يحمّلها حاضرا أو مستقبلا أي مسلك مخالف لما ينتهجه الحجاج الآخرون المتقيدون بالتعليمات والتماشي بموجبها، ويعريها أمام الملأ بأن من تحتضن المقدسات الإسلامية، ومنذ مئات السنين، وتشرفت بخدمتها على أكمل وجه، شهد لها القاصي قبل الداني، لا تريد خطابات شكر أو ثناء إيرانية. بل تريد أن يلتزم الحجاج الإيرانيون بالأنظمة. دائما يقف أعلى هرم السلطة، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –أيده الله- شخصيا في كل عام للإشراف على سير مناسك الحج، وللاطمئنان على سلامة وراحة الحجاج وخدمتهم، والتي يعدّها المليك من أولوياته، فرغم مسؤولياته الجسام لم ينشغل عنهم، ودائم السؤال عن صحتهم. أليس من واجبنا نحن السعوديين، وبالتنسيق مع الهيئات والمنظمات الإسلامية الفاعلة في العالمين العربي والإسلامي، أن نحاصر هذا الفيروس الإيراني ونقضي عليه قبل أن يحول موسم العبادة المقدس إلى مصالح شخصية وسياسية قذرة؟! هؤلاء يجب وضع الخطوط الحمراء أمامهم، وكبح جماح نواياهم السيئة، وتحذيرهم والتأكيد عليهم من أن الحج القادم وكل حج وعلى مدى العمر، هو شعيرة لا ينبغي المساس بها أو الإساءة إليها قبل كل شيء، وهو موسم لكل المسلمين وليس للإيرانيين وحدهم، وأن المملكة لا تقبل ولن تقبل بأن يعكر صفوه كائن من كان، ومصلحة الإسلام والمسلمين فوق كل اعتبار.