سعيا إلى تحقيق مكاسب سياسية في سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية، توقع محللون سياسيون أن يقر مجلس النواب الأميركي قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، والذي أجازه مجلس الشيوخ أول من أمس، رغم تأكيدات رئيسي لجنة التحقيق الأميركية: توم كين، ولي هاملتون، عدم وجود أدلة تدين المملكة في أحداث 11 سبتمبر. تأتي موافقة مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع على تشريع يسمح للناجين من هجمات 11 سبتمبر وذوي الضحايا بإقامة دعاوى قضائية ضد الحكومة السعودية للمطالبة بتعويضات، على خلفية السباق الرئاسي الأميركي ومغازلة الناخبين من قبل المرشحين الجمهوري والديمقراطي، قبل نوفمبر 2016. من المتوقع أن يقدم مشروع القانون المعروف باسم "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" في الأيام القادمة إلي مجلس النواب، حيث سيكون تمريره أسهل من مجلس الشيوخ إذ كان يكفي عضو واحد لتعطيله. ومن الصعب أن يوقِّع الرئيس الأميركي أوباما على هذا القانون، الذي وعد بتعطيله، بينما من المرجَّح أن يتسابق المرشحان الرئاسيان على الإعلان صراحة أمام الناخبين بتوقيع القانون فور وصول أي منهما إلى البيت الأبيض في يناير 2017، وهو ما يتيح المضي قدما لرفع دعاوى من ثلاثة آلاف أسرة، أمام المحكمة الاتحادية في نيويورك. وكانت السعودية قد نفت أي دور لها بأحداث 11 سبتمبر 2001، كما أكد رئيسا لجنة التحقيق الأميركية الرسمية بشأن الهجمات، توم كين ولي هاملتون، مجددا عدم وجود أي دور للمملكة في تلك الأحداث، وطالبا الحكومة الأميركية بالكشف عن الحقيقة كاملة لأعنف هجوم إرهابي ارتكب داخل أراضي الولاياتالمتحدة بل الأسوأ على الإطلاق منذ بيرل هاربور.
صياغة مغرضة للتقرير صياغة التقرير النهائي للجنة 11 سبتمبر يمكن اعتبارها مجرد حكاية خرافية تمت كتابتها أثناء استراحة الغذاء، بقلم فيليب زيليكو، كما تقول كريستين بريتويسر في مقالها المهم قبل أيام، حيث أفاض زيليكو في الإشادة بالاستخبارات الأميركية، وكيف عرفت أهداف تنظيم القاعدة داخل أميركا، كما جاء في "البند 5"، وكيف كانت على علم بهجوم إرهابي وشيك، كما جاء في "البند 7" من التقرير. أما المعلومات الخاصة بأحداث 11 سبتمبر، التي يستشهد بها كأدلة دامغة، كما تقول كريستين، فقد استقاها من المقابلات التي خضع لها خالد شيخ محمد، وطبيعي أن يقول المعتقل ما يريد أن يسمعه منه جلاده، ومع ذلك لم يأت ذكر لأي دور سعودي في هذه الأحداث، وإلا كان المحقق الأميركي المسؤول عن استجواب شيخ محمد، أراد أن يطمس الدور السعودي ويخفي الحقيقة عن حكومته، وهذا مستحيل. لقد كان من الأولى والأنسب على رجل الاستخبارات الذي لديه معلومات مسبقة عما سيتم من أحداث إرهابية في 11 سبتمبر، أن يصيغ قصة متسقة تماما مع هذا الهدف المعروف، كما تقول في مقالها، لكن يبدو أن المعلومات الناقصة، كما تم الكشف عنها، لاسيما في 28 صفحة، تدين بشدة من صاغا التقرير النهائي أكثر بكثير مما هو متوقع.
التذرع بسرية المعلومات عندما يؤكد كل من كين وهاملتون عدم وجود أي دليل يربط بين السعودية والهجمات، فإن علينا أن نولي اهتماما دقيقا بطيف الكلمات المستخدمة هنا. صحيح أنه لا توجد أدلة قاطعة لكن كانت توجد مؤشرات واضحة علي هجوم إرهابي وشيك علي أميركا من قبل تنظيم القاعدة، فلماذا لم تتم المتابعة الفورية، وأخذ الأمور بجدية من قبل أجهزة الاستخبارات قبل وقوع الهجمات، بدلا من تلفيق التهم جزافا لدولة حليفة وصديقة؟ والسؤال الآخر هو: لماذا تمت صياغة 28 صفحة عبر موظف أو أكثر، قيل إنه ذو صلة، وتم استبعاد الموظفين والمحققين الآخرين. ولماذا أشيع الآن أن تلك الصفحات الثمانية والعشرين بالتحديد "سرية"، بعد 15 سنة؟ وما الذي يدرينا، بعد اتهام السعودية ثم تبرئتها بشكل قاطع، أن أكثر الصفحات والوثائق أهمية وحيوية في التقرير النهائي للجنة 11 سبتمبر ما زال محجوبا ولن يراه الجمهور أبدا؟
مساءلة المسؤولين السابقين كذلك فإن الإفراج عن الصفحات المحجوبة هو إدانة مؤكدة للمسؤولين الأميركيين وليس لأي دولة أخرى، والتحقيق الدقيق معهم هو وحده الذي سوف يكشف عن الحقيقة الكاملة، وأي اتهام لأي دولة أخرى هو في الحقيقة اتهام ضمني بالتواطؤ بين أجهزة الاستخبارات الأميركية وهذه الدولة، أو تلك في هذه الجريمة الشنيعة والخطيرة، ناهيك عن الجهات الفاعلة من داخل وخارج الولاياتالمتحدة، وهو ما يستحق أقصى عقوبة ممكنة، "التقصير قبل وقوع 11 سبتمبر، وأثناء وقوع الأحداث وبعدها، طيلة 15 سنة كاملة، 2001 – 2016"، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم. وسوف تطال المساءلة معظم موظفي وكالة الاستخبارات المركزية وغيرهم من كبار المسؤولين، أمثال: كوفر بلاك، وجيمس بافيت، وجورج تينيت، وجون ماكلولين، وجون برينان، ومايكل هايدن، وبوب مولر، وريتشارد كلارك، وساندي بيرغر، فضلا عن هيلاري كلينتون، وجورج بوش الابن، وكوندوليزا رايس، وديك تشيني، وباراك أوباما، وغيرهم من المسؤولين، الذين عرفوا الحقيقة لسنوات طويلة ولاذوا بالصمت المشين، مما يجعل تهمتهم هي التستر والتواطؤ، وهي أمر جلل وخطير.