بينما كشفت وثائق دولية أن داعش يصنع الأسلحة البيولوجية والكيميائية، يؤكد خبراء أن التنظيم يخطط حاليا لتنفيذ هجمات ذكية وغير تقليدية في عواصم أوروبية وإقليمية فاعلة في محاربة الإرهاب وملاحقة المتطرفين. لم تعد المواجهة ما بين الجماعات المتطرفة وخصومها، تقليدية، بل تحولت إلى حرب ذكية استخدمت فيها هذه الجماعات كل ما هو متاح من قدرات تقنية وفنية ومنها السلاح الكيميائي. وبات معروفا عن تنظيم داعش أنه يستنسخ تجاربه في العراق وسورية وليبيا ليتحول إلى تهديد قائم لدول المنطقة. وزادت مخاوف دول أوروبا من تمكن التنظيم من صنع قنبلة إشعاعية "القنبلة القذرة"، وهي من المتفجرات التقليدية التي تُستخدم لتوزيع جزيئات مُشعة على مساحة واسعة، وذلك بعد تحقيقات تفجيرات مطار بروكسل في مارس 2016. وكشفت تقارير معلوماتية ليبية، منتصف العام الماضي، استيلاء ميليشيات متطرفة في البلاد على أسلحة كيمياوية من بقايا مخازن النظام السابق، قالت إنها تقع في الصحراء، مما يثير المخاوف من أن تصل مواد فتاكة، مثل غاز "الخردل السارين" إلى تنظيم داعش الذي سبق أن سيطر في يونيو 2014 على ما تبقى من منشأة المثنى التابعة لوزارة العلوم والتكنولوجيا في منطقة الثرثار غرب مدينة سامراء التي تضم مواد "سارين" تالفة، بيد أن القوات العراقية استعادتها لاحقا. وأكدت تقارير ميدانية، تدريب مقاتلي داعش في أفغانستان على استخدام الكيميائي، مشيرة إلى أن التنظيم يخطط لنقل مواد سامة إلى العراق لتنفيذ أعمال إرهابية هناك. وظهرت أخيرا تسريبات عن استخدام بعض المناطق في أفغانستان التي لا تخضع لسيطرة حكومة كابول، من قبل دول ثالثة، لتدريب مقاتلي داعش وجماعات متطرفة أخرى على استخدام مواد سامة. ورجحت التحقيقات إمكانية حصول داعش على السلاح البيولوجي لاسيما في ظل سيطرته على مصادر الطاقة وعلى بعض المصافي التي تقوم بإنتاج مشتقات النفط التي توجد داخل هذه المصافي، وهو ما يمكنه من تحويرها إلى استخدام للأسلحة البيولوجية. وسبق أن كشفت بعض الوثائق صناعة داعش الأسلحة البيولوجية والكيميائية.
وثائق داعشية حصلت قناة "أخبار الآن" العام الماضي على حاسوب لتنظيم داعش، فيه وثائق تتعلق بكيفية صناعة الأسلحة البيولوجية والكيميائية، وكيفية تخليق فيروس مرض الطاعون ونشره، مبينة أن محتويات هذا الحاسوب تثير الصدمة. وعرضت القناة آلاف الوثائق وبعضها نُشر حصريا على ما تُسمى الشبكة الخفية أو الشبكة السوداء، وتعرف باللغة الإنكليزية Thedeep dark web، وهي جزء من الإنترنت يصعب اختراقه لعدم إدراجه من قبل محركات البحث، ومن بين الملفات وثيقة مؤلفة من 19 صفحة تثبت أن داعش مهتم بكيفية تصنيع السلاح البيولوجي وكذلك مرض الطاعون.
استهداف المنشآت النووية تشير التحقيقات الأمنية في قضيتي تفجيرات باريس، نوفمبر 2015، ومطار بروكسل، في مارس 2016، إلى أن تنظيم داعش قد يكون خطط لاستهداف المنشآت النووية البلجيكية، بإيحاء من شاب يدعى إلياس بوغالب، قتل في سورية، وكان يعمل تقنيا في منشأة "دولة نووية" بتكليف من مؤسسة "فينسونت دي ويلريجك"، وهي مقاول من الباطن، قبل أن يسافر إلى سورية عام 2014. ونقلت وسائل إعلام محلية أن المحققين عثروا في نطاق التحقيقات في اعتداءات باريس على شريط فيديو يكشف مراقبة مصور أو مصوري الشريط تحركات مدير الأبحاث النووية والتطوير في بلجيكا، ويستغرق الشريط الذي سُجل بكاميرا خفية قرب مقر سكن الخبير النووي 10 ساعات. وأشار تقرير صحفي ألماني إلى العثور على مقالات وصور لمنشأة نووية ألمانية في شقة أحد منفذي اعتداءات باريس. ورغم نفي مكتب المستشارية ووزارة الداخلية علمهما بذلك، فإن أعضاء في البرلمان صرحوا بتلقيهم معلومات استخباراتية حول الموضوع بشكل سري. وأوضح التقرير أن المتهم الرئيس في هجمات باريس صلاح عبد السلام، كان يحتفظ بصور في مسكنه بحي مولنبيك البلجيكي لمنشآت نووية ألمانية، وبخاصة منشأة يوليش الخاصة بتخزين النفايات النووية. على الصعيد ذاته، كشفت صحيفة تابعة لشبكة المحررين الألمان "آر إن دي" في 14 أبريل 2016، نقلا عن مصدر في لجنة المراقبة بالبرلمان الألماني (بوندستاغ)، عن العثور على مقتطفات من تقارير منشورة على الإنترنت حول منشأة "يوليش" في شقة عبد السلام، إضافة إلى صور لمدير منشأة البحث النووي الألمانية، "فولفغانغ ماركفاردت".
الصدمة والرعب بات معروفا عن تنظيم داعش بأنه يعتمد "الصدمة والرعب" في عملياته، وهذا يعني أن التنظيم لا يتردد أبدا في استخدام كل الوسائل المتاحة من أجل تعزيز قدرته القتالية ومفاجأة خصومه، فداعش بات يستهدف منشآت نووية أوربية وأخرى كيميائية في سورية والعراق وليبيا وربما في دول أخرى. وما يدعم هذه الفكرة هو امتلاكه القدرات المالية وكذلك الخبرات في مجال إنتاج القنابل القذرة والأسلحة الكيميائية. وأكدت الاستخبارات العراقية مقتل "أبو مالك" في 25 يناير 2015، وهو خبير أسلحة كيميائية في تنظيم داعش، إثر غارة جوية شنها التحالف الدولي قرب الموصل. ويشار إلى أن أبو مالك كان خبير أسلحة كيميائية عمل في مصنع لإنتاج أسلحة كيميائية في النظام العراقي السابق ما قبل 2003، أي قبل أن ينضم إلى القاعدة عام 2005، ثم إلى تنظيم داعش. وبعد خسائر داعش الميدانية على الأرض من خلال تراجعه في العراق وسورية وتفكيك خلاياه الإرهابية في المملكة العربية السعودية، أخذ التنظيم يتجه إلى تبني عمليات نوعية استخباراتية أكثر من العمليات العسكرية الواسعة، وهو يخطط حاليا لتنفيذ هجمات غير تقليدية في عواصم أوربية وإقليمية فاعلة في محاربة الإرهاب.