أ.د عبدالله عيضه المالكي العقل هو مناط التكليف المعتبر، وهو أحد الضروريات الخمس التي جاءت الديانات لحفظها والعناية بها. احترم الدين العقل وأشاد بالعقلاء، بل وحث على إعماله بالتدبر والتفكر والنظر والاستدلال، وما إلى ذلك من العمليات الذهنية التي تحتاج إلى العقل. والنصوص الشرعية في ذلك كثيرة، أفلا يعقلون، أفلا يتدبرون، أفلا ينظرون أفلا يتفكرون… الخ. ثم يأتي دور تنشئة الجيل في المجتمعات، وما فطرهم الله عليه ليكونوا صالحين في أنفسهم وعاملين لمجتمعاتهم وشعوبهم. الله استخلف الإنسان في هذا الكوكب لإعماره، والإعمار لفظ عام ليس المقصود به التسبيح والتكبير والذكر والدعاء فحسب، بل عمارتها كذلك بالعمارة المادية بالزراعة والصناعة والبناء والتجارة، وما إلى ذلك من الأعمال التي يحتاجها كل كائن حي، وكل ذلك أيضا هو عبادة لله تعالى. "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون". كان في علم الله أن البشر الذي تتنازعه الرغبات والشهوات مع كونه عاقلا هو الأصلح لعمارة هذا الكوكب الصغير الذي نعيش عليه مع غيرنا من العوالم الأخرى التي خلقها الله وأوجدها إكراما للإنسان، فجميع ما يحقق للكون توازناته الفطرية خلقه الله تعالى لأجل هذا الكائن العجيب "الإنسان"، ومع ذلك فهو في تمرد دائم على نفسه وعلى غيره، بل وعلى خالقه الذي خلقه واستخلفه فيه لحمل الأمانة، فحملها رغم أن الجبال الراسيات أبين أن يحملنها وأشفقن منها "إنه كان ظلوما جهولا". تأتي بعد ذلك السنن الكونية من الله، والتي تعيد إلى الإنسان التوازنات من الانحرافات الفكرية المحدثة على مر العصور، فأرسل الله الأنبياء والرسل لتقويم تلك الانحرافات، ولردها إلى الطريق الصحيح الذي يكون فيه سعادته وتحقيق عبوديته لخالقه، وفق ما شرعه الله له من قيم وعبادات تحقق له السعادة والتعايش الفطري مع كل كائن في هذا الكون. يستجيب البشر أحيانا ويتمرد بشكل أكبر بحسب التنازع الذي يحدث بين عقله وشهوته، فإذا تغلبت نزعة العقل استقام واستنار، وإذا غابت عنه وتغلبت عليه نزعة الشهوة عاد لسكرته وانحرافاته. يبقى الآن، أن نعرف دورنا الفعلي في بناء الإنسان المعاصر في مجتمعنا السعودي "أبناؤنا وبناتنا" في البيوت والمدارس والجامعات والجوامع، وحماية أفكارهم من الشطط والانحرافات الفكرية الظالمة، سواء بالغلو والخروج والتمرد على التوسط والاعتدال من الدين، أو بالتمييع وعزل الدين عن الحياة ومحاولة الانسلاخ عن المبادئ والقيم التي أقرها الدين. لنوجد جيلا يحب الحياة كحبه للآخرة، جيلا فاعلا بنّاء، يحب للآخرين ما يحب لنفسه، يحب وطنه كما يحب دينه ومعتقده، يحب الخير للبشرية جمعاء كما أحبه محمد، صلى الله عليه وسلم، لجميع العالمين "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".