يحاول المؤلف "إيريك هوفر" في كتابه "المؤمن الصادق" دراسة طبيعة الحركات الجماهيرية، والتعرف على الخصائص المشتركة بينها، إضافة إلى فئات المجتمع التي تتشكل منها عناصر وأفراد تلك الحركات، والبيئات الخصبة التي تنمو فيها بذور التطرف، ويتحد فيها المتطرفون، أو المؤمنون الصادقون بحسب وصف المؤلف، وكان ذلك في زمن بلغ فيه التطرف ذروته، إذ ولد المؤلف في بداية القرن العشرين، وشهد قيام الحربين العالميتين، وما سبقهما من إرهاصات، إضافة إلى ما واكب تلك الفترة من نشوء حركات جماهيرية، وما نتج عن ذلك من ثورات في كثير من الدول، ونجد الكاتب هنا يغوص في التركيبة، والطبيعة النفسية لمن يقود تلك الحركات أو يلتحق بها، حتى يصل بالقارئ إلى فهم دقيق لها, فهو يستشهد كثيرا بأقوال "هتلر" و"ستالين" و"موسوليني" وغيرهم، باعتبارهم أحد أكبر رموز التطرف الذين عرفهم تاريخ البشرية، إذ كانوا في الأصل قادة لحركات جماهيرية، ويعنى هذا الكتاب كما يشير مؤلفه أساسا بالمرحلة الديناميكية للحركة الجماهيرية، وهي المرحلة التي يهيمن عليها المؤمنون الصادقون، وهو يقصد بهذا الوصف الإيمان العميق بالعقيدة والمبادئ والتوجهات التي تقوم عليها الحركة الجماهيرية من أتباعها، والتي تشكل لهم قضية مقدسة مع مرور الزمن، وفي بعض مواضع الكتاب يستبدل المؤلف لفظ المؤمن الصادق بالمتطرف، لأن المتطرفين تحديدا هم من يتولى القيادة في تلك المرحلة. قسم المؤلف الكتاب إلى أربعة أقسام: ففي القسم الأول، يناقش أسباب الانجذاب إلى الحركات الجماهيرية، وأن الإحباط أيا كانت أسبابه هو العامل المهم لنشوء التطرف لدى الأفراد، وهؤلاء المحبطون هم من تجتذبهم الحركات الجماهيرية لرغبتهم في تغيير الحاضر، وإيجاد بدائل للنظام القائم. في القسم الثاني، يصنف المؤلف الأتباع المحتملين والمرشحين للانتماء إليها إلى فئات وهم: "المنبوذون، الفقراء، العاجزون عن التأقلم، الأنانيون، الطموحون، الأقليات، المولولون، مرتكبو المعاصي". في القسم الثالث، يبين المؤلف أهم خصلتين تشتركان فيهما الحركات الجماهيرية، واللتين يصل الأتباع خلالهما إلى أقصى درجات الانتماء وهما: "العمل الجماعي، والتضحية بالنفس"، إضافة إلى العوامل المؤدية إلى كل من هاتين الخصلتين داخل الحركة. أما في القسم الرابع، يشير المؤلف إلى مراحل قيام الحركات الجماهيرية، والأفراد الذين يتولون زمام القيادة في كل مرحلة، بداية من نشوئها على يد "رجال الكلمة" مرورا بفترة الصراع مع النظام القديم, والتي تعم فيها الفوضى، ويتولى قيادتها "المتطرفون"، وانتهاءً بمرحلة توقف الحركة الديناميكية وبروز "الرجال العمليون" لإكمال مسيرة القيادة. يمكننا القول، إنه على الرغم من تأليف الكتاب قبل أكثر من ستين عاما، إلا أننا في الوقت الحاضر نستطيع خلاله التنبؤ بقيام الحركات الجماهيرية، ومعرفة الأسباب التي تدفع الشباب إلى الانتماء إليها أو تركها، إضافة إلى الطريقة التي يتم خلالها قيادة تلك الحركات، والسيطرة على الجموع المنظمة لها من الجماهير.