مخطئ من يتصور أن الجنادرية مجرد مهرجان يمر على السعوديين مثل كثير من الفعاليات الوطنية، إنه تاريخ وطن، وحكاية شعب يريد أن يخبر العالم بأن هذه الصحراء التي أنتجت النفط، أنتجت أشياء أخرى لا تنضب، ولديها أكبر احتياطي عالمي من التراث والثقافة والفكرة. الجنادرية عرس سنوي يرسم معالم وتفاصيل وطن، يكشف عن حجم الانتماء الذي يسكن بداخل كل شخص فينا، ينقل رسالة للعالم تخبرهم بأن هذه الأرض بدأت ببيوت بسيطة وبيوت شعر، رجال يكسبون رزقهم تحت أشعة الشمس الحارقة، أطفال تحملوا المسؤولية مبكرا، ونساء يشاركن في صناعة المستقبل، وطن كامل يكتب تاريخه شعرا وقصة ويختم مساءاته بأهازيج للمطر والريح، وحكايات التعب والحب للأرض والإنسان والعشب. باتت الجنادرية أكثر نضجا وتألقا بعد أن بلغت دورتها الثلاثين، حيث لم تعد تتوقف عند التراث والفكر السعودي فقط، بل يضم الفن والتراث الإماراتي والكويتي والقطري والعماني والبحريني، وتعكس تاريخ وحضارة منطقة الخليج. أعطى ملك الحزم والعزم سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- مزيدا من التوهج للجنادرية مع انطلاقتها الجديدة، وجاءت المشاركة الواسعة من رجالات الدولة دليلا واضحا على ما يمثله هذا العرس السنوي، حيث بذلت وزارة الحرس الوطني التي تنظم المهرجان سنويا جهدا كبيرا بقيادة الأمير متعب بن عبدالله الذي حول الجنادرية إلى تظاهرة ثقافية شاملة تجاوزت المحلية وأصبحت حديث المهرجانات، وبوصلة الأدباء والمثقفين العرب والعالميين. تطور الجنادرية بصورة تدعو إلى الفخر والاعتزاز، وبات يعرض ثقافة وهوية كل مناطق المملكة، ويعرض الموروث الشعبي والثقافي الذي اشتهرت به، وتبدو عروض الملابس الخاصة بالمناطق من أبرز العروض التي تجذب أنظار الزوار وتصنع الهوية، حيث يتم عرض المنسوجات اليدوية، سواء فيما يتعلق بالملبوسات أو السجاد أو الخيام والحقائب، خلافا للمأكولات والأهازيج الشعبية التي تمثل كل منطقة. الثقافة حاضرة بكل تشكيلتها في المهرجان الوطني الكبير، فهناك أجنحة خاصة للكتاب، ونصيب للفن التشكيلي، وحفلات تراثية وشعبية، إضافة إلى تخصيص لجنة للشعر الشعبي، حيث لا يخلو المهرجان من قصائد الشعر الحماسية التي أصبحت معلما من معالم المهرجان، ويحكي الفن عبر الأوبريت السنوي عناوين المجد والعز وحكايات الوطن، ويقدم لوحات تجسد ذكرياتنا وتاريخنا وهويتنا. مشوار طويل من الشغف والحب يجمعنا بهذا المهرجان التراثي والتاريخي الطويل، نقف كل عام في لياليه الحافلة نلتقط صورة جديدة تكتب روعة هذا الوطن، وتشكل جزءا أصيلا من ثقافته وتراثه.