بسبب غياب آليات التخطيط ونظام الحوكمة لدعم نظام التوريث والانتقال من جيل إلى آخر، حذرت الرئيس التنفيذي لمركز "استدامة" للحلول التنظيمية للشركات العائلية الدكتورة نوف الغامدي من مخاطر تحيط ب350 مليار ريال تمثل حجم استثمارات الشركات العائلية في المملكة. ودعت الغامدي عبر "الوطن" القائمين على الشركات إلى التدخل العاجل لمواجهة محاذير الخطر من خلال إنشاء مجالس عائلية وفصل الملكية عن الإدارة، وبناء إستراتيجيات فعالة، وإعادة الهيكلة والاستعانة بالموظفين الأكفاء، مؤكدة أن استدامة الشركات مسألة في غاية الأهمية بالنسبة للعائلات ذات الصلة وإلى الدول المعنية، على حد سواء. تسهم حوالى 20 ألف شركة عائلية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى حد كبير في تنشيط الحركة الاقتصادية، من الأعمال التجارية غير الحكومية، وفي الناتج المحلي لاقتصاد هذه الدول وتوفير الوظائف للمواطنين والأجانب. ويبلغ حجم استثمارات الشركات العائلية في السوق السعودية في حدود 350 مليار ريال، أي أكثر من 12% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد تزيد هذه الاستثمارات بنسبة 4% في العام المقبل، وهو ما يجعل الشركات العائلية قناة مهمة لاجتذاب الاستثمارات المحلية والخارجية، واستقطاب القوى العاملة، الوطنية منها تحديدا، وبالتالي يعزز من موقعها في الاقتصاد الوطني. إلا أن العديد من هذه الشركات تقترب من حافة الخطر من خلال المرحلة الانتقالية من جيل إلى آخر. ومع ذلك فعملية الانتقال هذه ليست واضحة، إذ إنه من المعروف أن حوالى 30% من الشركات العائلية تنتقل إلى الجيل الثاني، وعدد أقل من ذلك بكثير ينتقل إلى الجيل الثالث والرابع تصل في بعض التقديرات إلى 3% و 12%، على التوالي. وأكدت الرئيس التنفيذي لمركز (استدامة) أول مركز متخصص لوضع الحلول التنظيمية للشركات العائلية بجدة، الدكتورة نوف عبد العزيز الغامدي، في حوار مع "الوطن"، أن العوامل الأساسية لظاهرة انتقال الشركات من جيل إلى آخر، هي الافتقار إلى آليات التخطيط ونظام الحوكمة الصحيح لدعم نظام التوريث والخلافة. تسليم مقاليد الحكم يعتبر البعض أن على الشركات العائلية ضرورة تسليم إداراتها فيها إلى الجيل الجديد الأكثر جاهزية من ناحية التقنيات العصرية لإدارة هذه الشركات والانتقال بها من مرحلة الكتب والدفاتر إلى مرحلة المكننة الكاملة، وذلك بالاستفادة من الثورة التقنية للتخفيف من ضغوط العولمة، كما يجب على الشركات العائلية أن تطبق نظم حوكمة فاعلة بهدف الاستمرار والنمو، إذ تتميز حوكمة الشركات العائلية ببعد إضافي، يتجاوز حوكمة الإدارة والأعضاء المساهمين ليشمل حوكمة أعضاء العائلة الواحدة المساهمين في الشركة، وهو ما يعرف بالدستور العائلي الذي يحدد نظام التعاقب ضمن العائلة. الاستمرارية والاستدامة تشكّل الشركات العائلية دعائم الاقتصادات العربية في ظل سيطرة الشركات المملوكة للعائلات على نسبة 70% إلى 90% من نشاط القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد أسس بعض الشركات العائلية العربية لعلامات تجارية اكتسبت شهرة إقليمية ودولية بفضل اعتمادها أفضل الممارسات الدولية. ومع ذلك فأنه يتعين على الشركات الإقليمية المملوكة للعائلات التي تشكل نسبة 75% بالحد الأدنى من اقتصاد القطاع الخاص وتوظف أكثر من ثلثي القوة العاملة (أو ما يعادل نسبة 70%) في المنطقة العربية تأمين الاستدامة، فتتخطى استمراريتها بذلك عهد الآباء المؤسسين وأنجالهم المباشرين. وفي ظل تحول هذا القطاع إلى العمود الفقري للاقتصادات الإقليمية، أصبحت استدامة هذه الشركات مسألة بغاية الأهمية بالنسبة إلى العائلات ذات الصلة وإلى الدول المعنية على حد سواء. وسجلت حالات كثيرة لانهيار الشركات التي لا تتكيف بسرعة كافية وبشكل ممتاز مع العوامل المتغيرة في خلال العقود القليلة الماضية. لذلك يجب البحث عن رابط بين نمو الشركة العائلية ونماذج الأعمال الخاصة بها والسعي إلى استمرارها. الشركات السعودية هناك قصص كفاح لبيوت الخبرة والتجارة في السعودية ما يستحق البحث والمتابعة والرصد، لتسجل في تاريخهم كيف تمكنت عصامية الرجال من المثابرة والصبر وتحمل قسوة الأيام وتقلبات الزمان حتى بنو هذه الشركات الرائدة في الصناعة السعودية. عندما نذكر الشركات العائلية في المملكة يتبادر إلى أذهاننا السجل التجاري رقم 1 الذي أُصدر عام 1286 أي قبل 160 عاما، والذي كان لعائلة زينل أحد أشهر البيوت التجارية، وبيت بن زقر الشاهد على عصامية ثلاثة أجيال وبدأ في الجيل الرابع، ومجموعة دلة البركة التي يملكها صالح كامل وعائلته، وشركة الراجحي المصرفية للاستثمار التي تملكها عائلة الراجحي، وشركة عبداللطيف جميل المحدودة التي تملكها عائلة عبداللطيف جميل، وقد تأسست الشركات الثلاث في الأعوام 1969 و1957 و1945، واحتلت المراتب 326 و323 و348 على التوالي. وهناك العديد من الشركات وضعت بصمتها في الاقتصاد السعودي منها على سبيل المثال لا الحصر: بقشان، والفارسي، وفتيحي، وبن لادن، والعليان، والقصيبي، والزامل، والمهيدب، والجفالي، والشربتلي، وفَقِيه، والفوزان، وأبو داود، السُليمان، ورضا، الجبر، وباناجه، وبن سعيدان، والعيسائي، والعمودي، والحمراني، وبترجي، والمجدوعي، الجبر، والتركي، والحكير، وسالم بن محفوظ، والجميح، وبن زومه، والعويفي، اليحيا، وأبوملحة، والجريسي، والراشد، والجبر. والشركات العائلية السعودية لها نشاط تجاري كبير ومتسع، فالسوق التجاري السعودية سوق كبيرة ومهمة في منطقة الشرق الأوسط، بل يعد من الأسواق الكبيرة على المستوى الدولي، وتتضح ضخامة هذا السوق من خلال إحصاءات الواردات والصادرات. ممارسات الحوكمة أشارت الغامدي إلى أن هناك 60% من الشركات العائلية في السعودية لا تستمر إلى الجيل الثاني، وأن 25% منها لا تملك خططا موثقة لنقل الأعمال، وتعمل الشركات العائلية في المملكة تحت 4 أشكال "تضامنية"، و"فردية"، وذات مسؤولية محدودة، وشركات مساهمة مغلقة. وهناك 33% من الشركات طبقت ممارسات الحوكمة بدقّة، فيما بدأت نحو 60% من الشركات العائلية الخليجية وضعت اللبنات الأساسية لتطبيق الحوكمة السليمة في إدارة العمليات الداخلية والخارجية. ولجأت الشركات العائلية أخيرا إلى إدراجها في السوق المالية بشركات مساهمة بلغت نحو 16 شركة عائلية من بين 106 شركات مساهمة مغلقة لمواجهة المخاطر المستقبلية في اختلاف وجهات النظر بعد الجيل الأول الذي ينتهي بوفاة مؤسسيها. وبلغ عدد الشركات المساهمة 171 شركة بقيمة سوقية 1.629 مليار ريال، ما يعني أن 62% من الشركات المساهمة مغلقة مقابل 38% مساهمات مفتوحة، خصوصا بعد نظام شركات الشخص الواحد المتمثل في خفض عدد المساهمين إلى اثنين بدلا من 5 مساهمين سابقا، وتخفيض الحد الأدنى من رأس المال إلى 500 ألف ريال بدلا من مليوني ريال سابقا، وتقليل الاحتياطي النظامي إلى 30% بعد أن كان 50%. تخليد المؤسسين أكدت الغامدي أن نصف الشركات العائلية الكبرى بمنطقة الخليج والشرق الأوسط ترغب في التحول لشركات مساهمة عامة تتداول أسهمها في البورصات، وأن 20% من الشركات العائلية تخطط فعليا للتحول إلى مساهمة عامة، بينما تتخوف النسبة المتبقية من الخطوة حفاظا على ثرواتها وتخليد أسماء العائلات المؤسسة. وأن حوكمة الشركات عبر إنشاء مجالس العائلة وفصل الملكية عن الإدارة وبناء إستراتيجيات فعالة وإعادة الهيكلة والاستعانة بالموظفين الأكفاء، مطالب ضرورية لبقاء الشركات العائلية بقوتها الراهنة. وحسب الدراسات الأخيرة فإن الشركات العائلية في ازدهار وتمثل أساس اقتصاد بلدان المنطقة، علما بأنها تسيطر على أكثر من 90% متحركة النشاط التجاري في منطقة الخليج. مواجهة الخطر لكن الخطر الأكبر الذي تواجهه هذه الشركات هو "الجيل الثالث" الذي يتسم بالأداء الأسوأ إداريا، ويفتت الثروة الضخمة التي جمعها الأجداد والآباء طوال عشرات السنين. وأن 33% من الشركات العائلية طبقت ممارسات الحوكمة بدقة، فيما بدأت نحو 66% من الشركات العائلية الخليجية وضع اللبنات الأساسية لتطبيق الحوكمة السليمة في إدارة العمليات الداخلية والخارجية. وفي سبيل تحقيق تطبيق فعال لممارسات الحوكمة، لا بد من العمل على تعزيز وعي أفراد العائلة بأهميتها، وطرق تطبيقها، ليس الأفراد الموكلون بمهام تنفيذية في الشركة أو المشاركون في تطوير أعمالها فقط، وإنما أيضا الأفراد غير المشاركين أو المتصلين بأعمال الشركة.