جسِّد الخوف على شكل وحش كبير ثم أطلقه على العامة. الخوف يشل المنطق ومراكز التفكير السليم، ويسمح بكل أنواع التضليل والمغالطات المنطقية بالولوج في العقل الجمعي للشعوب، وحينها تسهل السيطرة عليهم. عندما بدأ المرشح للانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016 دونالد ترامب بممارسة غوغائيته ضد المسلمين كان يقصد استهداف عقول الأميركيين ولم يكن هدفه الأساسي الإساءة إلى المسلمين فقط أو استعراض التعصب ضدهم، هو يريد كسب الأصوات والتأييد من خلال استغلال خوف الأميركيين من الإرهاب والموت، وتقديم نفسه كمخلص حريص على مصالح بلاده. يقول إدموند بيرك: "ليس هناك شعور يسلب العقل كل قوى التصرف والتفكير بصورة مؤثرة مثل الخوف". الحيوانات لا تخاف من المستقبل أو الموت، ولأنها لا تدرك ولا تعي، فهي لا تتعرض لمثل هذه الخطابات الشنيعة أو التهديد أو الاستغلال، ولن يؤثر فيها لمعان سواطير الجزارين وصرخاتهم مهما علت، ولا دعوات حقوق الحيوان تهمهم. أما نحن البشر فكما قال سبنسر جونسون "ماذا أفعل لو لم أخف؟" فغريزة الخوف هي من المحركات الأساسية للعقل وتحفيزه، لهذا يستخدمونه كسلاح فعال. حتى في بعض وسائل الإعلام الغربية تجد هذا الربط بين كل المسلمين والإرهاب، أو اللاجئين العرب والإرهاب، لأنهم يعلمون أن الإرهاب بات يشكل هاجسا لدى المواطن الغربي، وهو الشيء الوحيد الذي قد يسلب منه حياته ومستقبله، لهذا يستخدمون الخوف من فقدان الأمان لتحقيق مآرب أخرى سياسية لا علاقة لها بالإرهاب، أو يستخدمونه لإشغال الشعوب عن قضايا أخرى. التخويف من المختلفين وتجريحهم والتشنيع عليهم قد يجلب بعض المصالح ويحقق شيئا من الأهداف، لكنها حالة مؤقتة وسرعان ما ينتج عنها التعصب الذي يؤدي للعنف والاقتتال الذي أهلك البشرية وشرد الملايين حول العالم، وهذا ما لا يعيه الغوغائيون بنظرتهم القصيرة للمستقبل التي لا تتعدى حدود أنوفهم.