سأبدأ المقال بطريقة معكوسة لأقول النتيجة وهي: إن القرار السليم، والحكيم هو أن تلزم الصمت، فلا شيء أصعب من أن تدمر نفسك بلسانك، وكل إناء بما فيه ينضح. للبيوت أسرار، ولكن أصبحت أسرارها للأسف لا تخفى عن آذان الناس بكل الأطراف المتعقلين والمتطفلين، أصبحت البيوت كما قد قيل من غير أبواب، ولا أسقف، ولا جدران، لم يعد هناك شيء يعزل ما يدور فيها بسرية وأمان، وكأن ما يحصل في البيت من أمور عائلية خاصة جداً هو شأن خارجي تلزم نفسك بالبوح به، وأن على الجميع معرفته دون عناء التقصي والبحث كما السابق، حيث أصبحت هذه الأسرار مائدة شهية في التجمعات وما دونها حتى تمكن أُولئك المترصدون لعثرات الناس أن يقيموا عليها "مأتماً وعويلا" بسبب عواطفك الاندفاعية تجاه معالجة الأمور التي تفتقر إلى التروي والحكمة. أنت هنا كمن يثقب في بابه ثقبا صغيرا لكل المارة أمام منزله ليشاهدوا ما يدور في فلك ساحته، وهناك قصص كثيرة مرت علينا أو سمعنا بها على أقل تقدير فيما يخص هذا الشأن، فهناك إحدى النساء للأسف الشديد أنهت حياتها الزوجية بالطلاق، والسبب أن كل مشاكلها مع زوجها كانت تخبر بها جاراتها، وصديقاتها، وكل من عزّ عليها، فتأتي من أطرافهن حلول تعجيزية وهي في الأساس "خراب بيوت"، وكأنهن قد نصبن أنفسهن "مصلحات اجتماعيات" وهن أشبه بقعر بئر لا ماء فيه! حتى قالت: أصبحت أجلس في مجالس النساء وكلهن يعرفن قصتي "مبتدأي وخبري"، ولكن في نهاية قصتها اعترفت قائلة: كان طليقي رجلا طيبا، وخطئي أنني سمحت لغيري أن يتطفلوا على حياتي! حالة الندم دائما تأتي في نهاية الأزمة، ولكن لا تلم غيرك في نشر أسرارك وأنت الذي سمح لهم بذلك، فمثلك مثل الذي يفتح خزنة ماله أمام اللص ثم يلوم اللص ويتساءل: لماذا يسرقني؟ وهذه الرواية تتشابه مع قصص كثيرة في حياتنا، سواء في "النفس أو المادة"، ولكن بطريقة واضحة لا كناية ولا تورية فيها، والحكيم هو من يستطيع إخراج رأسه من المشكلة التي حاصر نفسه فيها بحكمة، وألا يقحم كل الرؤوس الغبية في حلها، فحياتك لا يعرفها سواك، والحياة ليست خطأ واحدا، ولا تضاريس واحدة، حتى الأنفس لا تتشابه ولا تتفق، وهذه حكمة الله في خلقه. علينا أن نعود أنفسنا كيف نكمم أفواهنا عن المشكلات البسيطة التافهة حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه، وتذكر أن "تعرف نفسك" فتلك فضيلة.