يتفق علماء الاجتماع على أن لا شيء يبعث على الاستقرار والأمن الاجتماعي ويهدئ النفوس مثل «العدل»، ولو رجعنا إلى تاريخنا الإسلامي وقرأنا سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لوجدنا أنه كان -ربما- أكثر العادلين في التاريخ الإنساني كله، وقد ترك للناس قصصا تروى إلى يومنا هذا، ولعل قصته مع ابنه عبدالرحمن وابن العاص خير مثالين على ذلك، ولذا أشاد بعدالته كثير من المفكرين القدماء والمعاصرين. خلال الأسبوع الماضي صدر قرار جريء عن الاتحاد السعودي لكرة القدم يقضي بمعاقبة ناديي التعاون والوحدة، نتيجة لاتهامهما بالاتفاق على إنهاء مباراتهما بالتعادل، وهو ما يضمن لهما ما كانا يطمحان إليه، ولكن المشكلة أن نتيجة هذا الاتفاق كانت وخيمة على فريق ثالث (القادسية)، فقد كانت سبباً في هبوطه إلى دوري الدرجة الأولى!. معظمنا يعلم أن الحديث يدور في المجالس المغلقة عن مثل هذه التجاوزات منذ سنوات طويلة، إذ يتم الاتفاق خلال المراحل المتأخرة من الدوري بين مسؤولي بعض الأندية لخدمة بعضها البعض، وهناك مباريات ما زالت نتائجها عالقة بالذهن نتيجة لغرابتها ومخالفتها للمنطق، ولا يمكن تفسيرها إلا بالاتفاق المسبق على نتيجتها، خصوصاً وأنه يتضح لاحقا أنها تخدم أطرافاً ضد أطراف أخرى. قرار اتحاد الكرة كان مبنياً على حيثيات كثيرة كان من أهمها «الظن» و»الخبرة»، وهنا نتساءل إن كان بالإمكان تطبيق هذا المبدأ على مستويات أخرى عندما يتعلق الأمر بمكافحة الفساد؟. هناك -مثلا- بعض الموظفين «السوبر»، الذين أؤتمنوا على مصالح الناس، ثم استغلوا مناصبهم لمصالح شخصية، فهل بالإمكان تطبيق هذا المبدأ في سبيل إدانتهم، طالما أنه لا توجد وثائق تدينهم في كثير من الأحيان، إذ إن معظمهم يتخذ من الاحتياطات والحيل ما يجعل أمر كشف تلاعبه مستحيلاً عن طريق الوثائق الرسمية؟. إن أحد أهم ما يتناقله الناس هو موضوع «توظيف الأقارب» على حساب المؤهل المتميز، وهناك قضايا التلاعب بالمال العام، وترسية المشاريع، والتحايل على مشروع السعودة وغيرها من قضايا الظلم والفساد الواضحة للعيان. حسنا، كم رأيتم من موظف كان بالكاد يجد قوت يومه، ثم أصبح فجأة في عداد الأثرياء جهة مسكنه وأرصدته المالية دون سبب مقنع لذلك، ويتطور الأمر أحيانا إلى أن يصبح من الوجهاء الذين يؤم الناس بيوتهم ومزارعهم طلبا للشفاعة! وقد روى أحد الثقات عن اصطفاف الناس من حاملي المعاريض بالمئات خارج أسوار بيت أحد هؤلاء «السوبر». أيضا روى أحدهم أن ابنته حرمت من وظيفة سعت لها بقوة وكانت مؤهلة لشغلها، بعدما اكتشف أن سعادة «السوبر» قد منح معظم الوظائف للمقربين منه وبطريقة مكشوفة، إذ إن معظمهم كانوا إما ممن يتشابه معه باسم العائلة، أو من أبناء مدينته، فما المانع من تطبيق مبدأ الشك والخبرة في مثل هذه الحالات، خصوصا وأن مثل هذا سيساهم حتما في ترسيخ مبدأ الأمن الاجتماعي. وختاماً فإننا نطرح هذا الاقتراح على المسؤولين عن هيئة مكافحة الفساد الوليدة، التي نأمل أن تكون على قدر التحديات، وعلى قدر تطلعات خادم الحرمين الشريفين -أيده الله-. فاصلة: تحدث أحد الوعاظ الأجانب -المقيمين في المملكة بهدف الاستثمار- عن قيادة المرأة للسيارة، وأغلظ القول على نساء الوطن في مزايدة واضحة على الوعاظ المحليين. هنا نتساءل -مرة أخرى- عن سر استمرار تدخل هذا الواعظ في كل شؤوننا الخاصة، وصمته المطبق عما يجري في بلده الأصلي، خصوصا هذه الأيام التي يتم فيها قمع وقتل المواطنين الأبرياء هناك، أم أن وطننا هو الجدار القصير؟!