مسافة عام فصلت مدينة الصخيرات في المملكة المغربية، حيث انعقد مؤتمر "فكر 13"، تحت عنوان "التكامل العربي.. حلم الوحدة وواقع التقسيم"، عن مدينة القاهرة التي اختارتها المؤسسة لمناقشة قضية "التكامل العربي.. تحديات وآفاق"، في مؤتمر "فكر 14" الذي انطلقت فعالياته بمقر الجامعة العربية أمس، برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي. عام كامل من جهود فكرية ولقاءات وورش العمل التي نظمتها المؤسسة رست أمس عند عتبات جامعة الدول العربية بناءً على مبادرة رئيس مؤسسة الفكر العربي الأمير خالد الفيصل، الذي حرص على أن تكون الجامعة العربية حاضنة لمؤتمر "فكر" السنوي في دورته ال14 احتفاءً بالعيد السنوي السبعين للجامعة العربية. وبدأت أولى خطوات المؤتمر صباح أمس بحضور رئيس المؤسسة الأمير خالد الفيصل، والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، والمدير العام لمؤسسة الفكر الدكتور هنري عويط، بإطلاق تقرير التنمية الثقافية الثامن، وهو التقرير الذي تصدره المؤسسة كل عام. تعاون مستمر أكد رئيس مؤسسة الفكر العربي الأمير خالد الفيصل، على أن مؤسسة الفكر العربي دأبت على إصدار تقارير تنموية ثقافية سنوية تختص بقضايا عربية محورية، هي من صلب القضايا الملحة التي تفرض نفسها على الأمة، وتتقدم على ما عداها من قضايا أخرى تشغلها في الصميم. وقال في كلمة افتتاحية للمؤتمر الذي شهد إطلاق التقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية الذي أعدته المؤسسة، بحضور نخبة من رجال الفكر والثقافة، والرئيس الشرفى للبرلمان الأورومتوسطى ورئيس المجلس المصري الأوروبي محمد أبوالعينين: "ما الأحداث والخطوب الجسام التي تضطرب بها أمتنا، وخصوصاً على مدى السنوات الخمس الفائتة وحتى اليوم، إلا المثل الساطع على ذلك، حيث اختارت المؤسسة وقائع هذا الانهيار العربي الكبير، وفي كل شيء تقريباً، محوراً مركزياً لتقريرها السنوي الثامن للتنمية الثقافية 2015". المشهد العربي وأضاف: لم يعد خافياً على أحد أن المشهد العربي الراهن المتمادي بمضاعفاته الخطيرة، إن لجهة انقلاب موازين الحياة العربية رأساً على عقب، في السياسة والأمن والاقتصاد والثقافة والمجتمع... إلخ، أو لجهة فقدان البوصلة المؤدية إلى الحلول العاجلة المطلوبة حتى الآن، بخاصة في الدول التي عصفت فيها الانتفاضات، بل الحروب الأهلية الدامية والتي باتت لا تهدد هذه الدول المنكوبة وحدها فقط، وإنما كيان الأمة بأسرها. فكان لزاماً على "مؤسسة الفكر العربي" معاينة هذه الجائحات الخطيرة، ودراستها في العمق، وتحليل دواعيها وأبعادها ونتائجها، تمهيداً للإسهام مع المسهمين في رسم الحلول الناجعة، والحض على تفعيل العمل العربي المشترك من خلال المؤسسات القائمة، وعلى رأسها جامعة الدول العربية. تعاون مثمر وأضاف: من هنا جاء هذا التعاون المثمر بين "مؤسسة الفكر العربي" و"الجامعة العربية"، بوصفها واحداً من أبرز المداميك القومية المؤسسية الجامعة، والتي يراهن كثير من المخلصين في الوطن العربي على عودة الروح إليها، خصوصاً بعد مرور سبعين عاماً على قيامها. وقد وجدت "مؤسسة الفكر العربي" كلّ تجاوب وتعاون مخلص من القيمين على هذا الصرح العربي الكبير، ممثلاً بأمينه العام وجميع العاملين فيه. وفي السياق عينه نرى أن هذا التعاون المشترك سيستمر متألقاً، وكما هو جار الآن، على مستوى مؤتمر "فكر 14"، والمنعقد من 6 إلى 8 ديسمبر، تحت عنوان "التكامل العربي.. تحديات وآفاق". وموضوع هذا المؤتمر بأبحاثه ومناقشاته وحواراته التفاعلية، هو الذي يتمحور حوله تقريرنا العربي الثامن للتنمية الثقافية. التغيير الإيجابي وتابع : لسنا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن المنطقة العربية– الإسلامية، هي في طريقها إلى التغيير، ونحن في المحصلة أداة من يصنع هذا التغيير، إما سلباً أو إيجاباً؛ ووجب إزاء ذلك أن نجتهد ما أمكن، لنكون في منحى التغيير الإيجابي؛ ولن يتأتّى هذا التغيير الإيجابي إلا في ضوء العروبة الجامعة.. العروبة الثقافية الحضارية التي يأتلف تحت جناحها كلّ المختلفين في السياسة والمعتقد والرأي والتوجه، باعتبارها هي الهوية الواحدة والموحدة في تنوعها، والتي تعكس الترابط العضوي الجذري والتكويني للشخصية العربية، كما تعكس شعور العرب بوجودهم الاجتماعي والتاريخي والثقافي والحضاري العام، وباعتبارها حالة عقلانية ووجدانية راسخة أيضاً، يعيشها الفرد العربي وتميزه كهوية عن سائر هويات الآخرين في هذا العالم. بوجيز العبارة، إننا مدعوون كعرب جميعاً، مهما اختلفت آراؤنا ووجهات نظرنا، إلى أن نكون على وعي نافذ لما يدبر لنا كأمة عريقة، أعطت البشرية الكثير.. الكثير، قبل أن تصاب بما هي مصابة به اليوم، من ترهل وتشرذم، وبالتالي العمل ما أمكن على سد هذا الفراغ المدوي على مستوى السياسات القومية العروبية الجامعة، والبحث في مصالح الأمة قبل أي اعتبار آخر، ومغادرة، بالتالي، مربع، إما أن نكون متفرجين أو ضحايا. وربما لأجل ذلك، كان هذا التقرير بورشه المتنوعة التي تحمل عناوين المرحلة في أسئلتها ومحاولة معالجتها: الهوية، الدولة الوطنية، الأمن، الاقتصاد، الثقافة، فضلاً عن مكونات العمل العربي المشترك، وفي الطليعة بينها، جامعة الدول العربية والدور المنوط بها مجدداً، انطلاقاً من أنها لا تزال، على الرغم من النقد الموجه إليها، الإطار العام الذي لا غنى عنه على درب العمل العربي المشترك. فشكراً للأمانة العامة لجامعة الدول العربية على تعاونها البناء مع المؤسسة، وتحية لكل من أسهم في إنجاز هذا التقرير العربي الثامن، من داخل "مؤسسة الفكر العربي"، ومن خارجها، خصوصاً المفكرين والمنسقين والخبراء المعنيين، علاوة على أسرة التحرير، وفريق التقنيين والفنيين ممن أسهموا وسهلوا ولادة هذا السفر الفكري المعتبر. تحذير من خطر الفكر المتطرف عقب الإعلان عن إطلاق تقرير التنمية الثقافية الثامن دارت حوارات ومداخلات عدة، تحدث فيها الأمير خالد الفيصل محذرا من مخاطر الفكر المتطرف والإرهاب في المنطقة، مؤكدا "أهمية اتجاه الكثير من الدول العربية نحو إعادة النظر في المناهج التعليمية وتأهيل المدرسين والمعلمين وتطوير أساليب التعليم"، مشيراً إلى أن "المملكة خصصت 80 مليار ريال لتطوير أساليب التعليم بها". وتابع الفيصل أن "الأمة العربية تمر بمخاض فكري وثقافي وتعليمي، ولا بد من تضافر الجهود في مواجهة الإرهاب والتطرف، وسبق أن حذرت في العام الماضي من خطورة الميليشيات والفئات المتطرفة التي تخلت عن الأفكار الإسلامية والدينية وتسيء للإسلام"، مشيرا إلى أن "الميليشيات تسيء إلى الإسلام والعروبة". القضية الثقافية ترتبط بالتكامل أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي أهمية إطلاق التقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية بالتعاون مع مؤسسة فكر، مضيفاً أن "القضية الثقافية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتكامل العربي، وهو ما عكسته استضافة الجامعة للمؤتمر تحت سقفها، إحياءً للذكرى ال70 لتأسيسها". وأوضح في كلمته أن "الجامعة العربية تسعى بصورة أساسية لمواجهة التحديات الكبرى حول حاضر الأمة المضطرب وما يطرأ عليها من تحولات وتغيرات وما لها من أثر على الأمن القومى العربي"، مشيراً إلى أن "ما يواجه الدولة الوطنية العربية من تحديات غير مسبوقة يستدعي تعزيز التعاون العربي الاقتصادي والثقافي والتنموي والعسكري وغيره وهو ما يوجد في صميم اهتمامات الجامعة العربية". وشدد على حرص الجامعة على تعزيز التعاون مع المؤسسة المعنية بقضايا الفكر من أجل خلق حوار بناء بين مختلف الثقافات العربية، مشيراً إلى أن "الدورة الحالية للمؤتمر ستشكل محطة بارزة للتعاون بينها وبين المؤسسة بهدف تحقيق صحوة ونهضة ثقافية شاملة"، مشيراً في الوقت ذاته إلى "ضرورة المضي قدماً في تطوير ميثاق الجامعة العربية الحالي الذي ينص في مادته الثانية على أن الغرض من إنشاء الجامعة هو توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها وتنسيق خططها السياسية، تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها". وفي رده على مداخلات الحضور، حذر الأمين العام للجامعة العربية من "تنامي موجات الإرهاب في المنطقة"، مضيفاً أن "موضوع صيانة الأمن القومي العربي يأتي ضمن أولويات عمل الجامعة، وقد جاء القرار الوزاري العربي حول صيانة الأمن العربي في سبتمبر قبل الماضي، مؤكدا على أهمية المواجهة الشاملة للإرهاب فكرياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً، ثم جاء قرار قمة شرم الشيخ برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي في مارس الماضي ليتوج بقرار إنشاء القوة العربية المشتركة"، مشيراً إلى أن "مشروع البروتوكول الخاص بإنشاء هذه القوة المشتركة لا يزال قيد الدراسة من قبل الدول العربية تمهيدا للتوقيع عليه". الأحداث الحالية فرضت نفسها قال المدير العام لمؤسسة الفكر العربي الدكتور هنري العويط إن "المؤسسة خاضت تجربة مختلفة هذا العام بعدما قامت بتنظيم 6 ورش عمل لتصدر التقرير العربي الثاني للتنمية الثقافية الذي يتألف من 6 أبواب، من بينها النص التنفيذي الذي يعد المرجعية التي استرجع منها بعض الأفكار الخاصة بجامعة الدول العربية". وأضاف "تم اختيار موضوع التكامل العربي موضوعا محوريا لما تعانيه الأمة العربية من انقسامات وصراعات وتحديات مصيرية تهدد بقاءها ووجودها وقد فضل مصطلح التكامل على مصطلح الوحدة، إدراكا منا بأن المسيرة تتطلب الكثير من المراحل، فمعظم التجارب تشير إلى المعوقات الموجودة بطريق التكامل وينغي العمل على حلها، إيمانا منا بأن مؤسسة الفكر العربي دورها التحفيز والتصدي للصعوبات وهى أيضاً التزامات على قاعدة الشراكة والإعلام وهي في حقيقة الأمر متكاملة ومترابطة الجهة لحل القضايا والصعوبات". تابع العويط أنه "تماشياً مع السياسة الجديدة التي اعتمدتها مؤسسة الفكر العربي هذا العام، قررت المؤسسة أن يشكل التكامل القاسم المشترك والجامع بين مجموعة من أنشطتها وبرامجها من أجل تحقيق مقدار أكبر من التنسيق والانسجام بينها، ومن أجل إكسابها المزيد من الفاعلية في بلوغ الأهداف المرجوة، حيث أصدرت عدداً خاصاً ومميزاً من نشرتها الشهرية "أفق" بعنوان "المواطنة، التعددية، والعروبة"، والتي تضم 70 مقالاً لنخبة من كبار المفكرين العرب، شئناها تحية إلى جامعة الدول العربية في ذكراها السبعينية، ودعوة إلى تجديد فكرة العروبة التكاملية الجامعة، كما قامت المؤسسة في إطار برنامجها "حضارة واحدة" بتعريب ثلاثة مؤلفات عالج أصحابها فيها تجارب تكاملية على الصعيد الدولي، حيث حملت عناوين "النظام السياسي للاتحاد الأوروبي"، "التكامل والتعاون في أفريقيا"، "البريكس: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا- القوى الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين".