يتطلع الجيل الجديد إلى مشروع عربي يمثل حلمه القديم، لمواطن بسيط يجر عربته في زوايا الدروب المظلمة بالزمانة والفقر، ويأمل في لقمة عيش وصحة وتعليم في ظل أمن ينعم به وعائلته البسيطة. والمتأمل في واقعنا المعاصر، يجد أن هذا الحلم البسيط ما زال بعيدا وبعيدا جدا، في ظل نزاع عربي بينيّ، وتغوّل عالميّ وحروب مستمرة ورغبة غير جادة في إعادة البناء، ورغم ذلك فإن التجارب الحديثة وبعيدة المدى تبعث على الأمل، فقد قدمت سنغافورة وماليزيا والإمارات العربية مشاريع حقيقية لنهضة حديثة ركزت على قيم مادية، بينما أهملت في بعض جوانبها القيم الدينية والأخلاقية، ولكل دولة حديثة مشروعها الجديد وملامحه الخاصة. ولا يزال العرب منذ قرن من الزمان أو أكثر يتحركون في حلقة مفرغة، بينما العالم حولهم يتحرك بسرعة الضوء، مع جمود عربي وعجلة متوقفة ومعطوبة وأبطأ من سلحفاة مريضة، في ظل خلافات ونزاعات إقليمية فتحت الباب على مصراعيه لفوضى عربية بامتياز، وتدخلات دولية مهدت للعنف وأسهمت في تمدده وانتشاره كسرطان خبيث يشبه سرطان الخلف والتخلف العربي. ونظرا لعقم الرحم العربية اليوم عن إنتاج مشروع يلفت نظر العالم إليه، فقد ظهرت الحركات المتطرفة لتقدم مشروعا مصنوعا من الوهم بينما العالم يتحرك حولنا بإبداع وتحديث مستمرين وتطور تقني فضلا عن غيره، بل وظهرت رؤى كثيرة تنظِّر لمشاريع جديدة تختلف عن مشاريعها القديمة. مشروع إثر مشروع وبناء إثر بناء بينما العرب على النقيض، فكل مشروع ولو مجرد رؤية نظرية يتم مهاجمته واتهامه ووأده في مهده، إما ببيروقراطية برع العرب فيها، وإما بتنافس غبي، أو تجهيل وتسفيه لعباقرة ومفكرين اضطرتهم بيئة طاردة إلى هجرة قسرية. يمكن القول إن السعودية بدأت حركة إصلاح وتحديث كبيرة وتحاول بناء مشروع عربي جديد، من خلال بناء أحلاف قوى عربية أثمرت عن عاصفتي الحزم والأمل، والتي أرغمت العالم الحديث والمعاصر للالتفات نحو حركة وتيار ومشروع سعودي مفاجئ، بدأت تتشكل ملامحه بعيدا عن تدخلات الشرق وأطماع الغرب، وإذا استمرت حركة التحديث السعودية في الداخل والخارج، فيمكن لها أن تقود العرب إلى بناء حضاري لافت، ولا شك أن المعوِّقات الإقليمية بدعم خارجي معوقات كبيرة، ورغم أنها تعوِّق السير لكنها لا تمنع المسير الاتحاد الخليجي والعربي السياسي والعسكري والاقتصادي. وعلى الجيل الجديد، جيل الشبكات الاجتماعية في هذا الزخم الكبير، أن يعي فقه المرحلة، وأن يستوعب دروس السيرة النبوية بأناة وعمق مع تأمل التاريخ العربي القديم والحديث بعناية ورفق، بأفق مفتوح وممتد، لا يستجيب لأطماع خارجية، ودعايات مغرضة، وأن يعرف أن كل النزاعات الماضية في تاريخنا أضعفت قوة العرب والمسلمين، ولم تنتج إلا الفشل الذريع والمخيف " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". وهو واقع الثورات العربية الحديثة، تنازع ونزاع وفشل، قليل من الإيجابيات وكثير من السلبيات، كثير من الألم وقليل من الأمل. وفي ظل تشرذم وتفكك عربي، فعلى الجيل الجديد الناهض أن يضع بصمته في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، وأن يحرص على المواءمة بين الأحلام والآمال وفقه الواقع، وأن يفهم أن الكثرة المادية والعددية ليست الوحيدة في وسائل التفوق والنصر. وعليه أن يقدم مشروعا واقعيا يعتمد على الحوار والعمل الجاد المثمر، ينافس فيه دولا نهضت من ركام الحروب ورمادها، وأثبتت نفسها من العدم، وأول لبنة في المشروع الجديد لبنة الأمن وهي أهم أسباب النهوض والتقدم والاستمرار، وبغير الأمن تضطرب الرؤية وتختلف المعايير وتفشل المشاريع مهما كانت مدروسة ومتينة. إن غياب مشروع عربي أو إسلامي خلال القرن الماضي أفرز سرطانا متفشيا من الجهل والتخلف والعنف وأصبح طعنة في خاصرة العرب، من حركات متطرفة غاية في التطرف شوهت معالم المشهد الحضاري للإسلام، مما حدا بالعالم المتحضر إلى اتهام الإسلام النقي الصافي، أو الإعراض عنه، وقليل منهم من أنصفه.