كنت أشاهد فيلما يتناول حياة الأسود في البرية، تلك الحياة التي تلتزم بتراتبية غاية في الدقة والتنظيم، فالأسد ملك الغابة المتوج من قبل كل الحيوانات، يلتزم أبناء جنسه بخدمته والعناية بمتطلباته الحياتية، فزوجاته يجلبن له الطعام طائعات ذليلات لأمره ونهيه، مهمته الرئيسة الرئاسة وما تتطلبه من أمر ونهي والدفاع عن الديار. ولأنه سلطان فله رعية وتلك الرعية تعيش في نطاق جغرافي يعد عرفا سلطنة هذا الأسد، هذه السلطنة لها حدود تشبه الحدود الدولية للدول والممالك، التي يحرم على الآخر الاقتراب منها فضلا عن ملامستها أو اختراقها، ولتحديد هذه الحدود يعمد الأسد إلى التغوط والتبول في بعض النقاط لتكون علامات حدود سلطنته التي ينبغي عليه حمايتها وعدم السماح للآخرين بتجاوزها. تلك المشاهد التي رأيتها عن الأسود والوحوش الضارية في تلك الغابة، والتي يحكمها في الأساس قانون الغاب الذي ينص على أن القوي يأكل الضعيف، ذكرتني بحراكاتنا الفكرية في ساحات تويتر، تلك الساحة التي لا تختلف عن الغابة بأسودها ووحوشها وحيواناتها الأليفة والمستضعفة. تويتر يشبه تلك الغابة فالكبار المتنفذون في هذه الساحة هم الوحوش الرموز الذين يستأثرون بالأتباع عددا وعدة، هؤلاء الأتباع تحكمهم مع الرمز تراتبية كتراتبية الأسود في تلك الغابة، فالرمز الكبير صاحب الحساب المتابع من ألوف مؤلفة من البشر هو الوحش الذي ينقاد له القطيع، في المنشط والمكره والعسر واليسر، تغريداته رسائل وأوامر وتوجيهات، كلامه يصل عند بعض الأتباع إلى درجة عالية من الصحة التي لا ينبغي الشك فيها فضلا عن مناقشتها، هذا الكبير يرسم سياساته عبر تغريدات محددة تعد عند الأتباع دستورا لا ينبغي مخالفته، وله أيضا مساحات محددة من الحراك الفكري لا يجوز لكائن من كان أن يشكك أو يطعن فيها بسؤال أو تشكيك أو تجاوز، ولكون تلك المناطق الفكرية ملكا لهذا الكبير أو الرمز، فإنه يحتاج إلى تحديد تلك المناطق عبر علامات وشواهد تمنع الآخرين من التدخل في مجاله أو منطقته، وهذا يذكرنا بالأسود وما تفعله حين تحدد نطاقاتها الجغرافية، والكبير في تويتر يمارس الشيء ذاته ولكن بوضع تابع له يكون بمثابة العلامة التي ترصد الآخرين وتحاول منعهم من الدخول في المناطق التي كانت وما زالت وستظل ملكا للكبير التويتري التي يُحرم على المخالفين دخولها أو تدنيسها، وعندما يفشل هذا التابع في وقف زحف جحافل الآخرين فإن الرمز يتصدى لذلك الغزو عبر تغريدات تحشد الأتباع وتهيج المشهد وتثير الرأي العام، وعندما يبلي أحد الأتباع بلاء حسنا فإن الكبير يتعطف عليه ويكرمه إما بتزكية تويترية عبر تغريدة مكسوة بالمدح والثناء، أو يعيد رتوتة بعض كلمات هذا التابع لتصبح في حساب الكبير أو الرمز شاهدة له لا عليه، وهذا شرف كبير لتابع من لدن ولي تويتري فقيه في كل شيء. بعض الرموز في تويتر يخشون تنامي شهرة بعض الأتباع فلربما أصبحوا يحاولون مزاحمتهم على تلك المكانة والامتيازات المصاحبة لها، وهنا يبدأ الرمز في تحجيم هذا التابع إما بحذفه من قائمة متابعيه أو تقريب شبل تويتري آخر ما زال في طور النمو والتشكل. أما السياسة مع المخالفين فتبدأ بتسليط وتجييش الجناح الشتام من كتائب الرمز ضدهم، فيسلق - بضم الياء- المخالفون بألسنة حداد وأوصاف أكثر حدة، تفسيقا وتبديعا وتخوينا، ويسقط عليهم من التهم ما يجعل الآخرين في حيرة من أمرهم وأمورهم معه، وعندما يتم إنهاك هذا المخالف وتشريده تنصب الرايات لهؤلاء الأتباع وينعم عليهم بالجوائز والألقاب، فذلك هو الناصر والآخر الوطني بامتياز، وثالث هو التنويري الذي يجسد التطور في أسمى صوره وأنقى مظاهره. ذلك ملمح من الغابة التويترية التي تجمع الكثير من الفصائل والأجناس والرتب، شريعتها القوي يأكل الضعيف والضعيف يأكل الأضعف، والأخير قد يحيا على القوي متطفلا عليه. إنها تراتبية التخادم من أجل التنفذ والتأثير والبقاء.