شدد الروائي الجزائري الحبيب السائح على أن ما يسمى بالربيع العربي وضع الكتاب العرب على المحك، وذلك في معرض تعليقه على ما أثاره النقاد الذين رأوا أن "أدب الانتفاضات العربية" المنتصرة جاء متشابها لأدب الأنظمة القائمة. وقال الحبيب "إثارة "الربيع العربي" كما أطلق عليه مستعارا من "ربيع" بلدان حلف وارسو سابقا كانت على أسس اجتماعية وسياسية فعلية تتعلق بطموح الإنسان العربي إلى الحق في العمل والصحة والتعليم والعيش الكريم، وفي التعبير عن رأيه، بصفته مواطنا وليس رعية، وفي الحق في ممارسة الحرية الفردية والجماعية، وفي مطالبته بالتمثيل النيابي الحقيقي وبتداول السلطة حسب إرادة الشعب، لكن تلك الأسس تحولت للأسف عن مضمونها وشكلها إلى ما هو عليه الآن في بعض البلدان العربية التي تشهد خرابا وتقتيلا غير مسبوقين، لذا أعتقد أنه بقدر ما شكّلت تلك "الانتفاضات العربية" في بدايتها صدمة للكتاب العرب، فوجدوا أنفسهم متجاوَزين بسرعتها وبطبيعتها، فقد وضعتهم على محك رهان معقد: كيف يقرؤونها فلسفيا؟ كيف يسوّغون لها سياسيا؟ كيف يكتبون عنها سرديا؟ باعتبار مخلفات سردها أقوى صيتا وأفظع مشاهد؟". عمل جديد وكان الحبيب قد أصدر رواية جديدة حملت عنوان "كولونيل الزبربر"، عن دار الساقي لتحلق بأعماله المثيرة للجدل مثل "الموت في وهران" و"تلك المحبة" و"الموت بالتقسيط". وتغوص روايات الحبيب في الذاكرة الجزائرية، حيث عدت روايته الأخيرة صورة بانورامية لحرب التحرير الجزائرية وما تلاها من حروب أهلية في فترة ما بعد الاستقلال. ويقول الحبيب ل"الوطن": "مشروع كتابتي لا يندرج ضمن مُجايلةٍ ما، أضع "كولونيل الزبربر" كما نصوصي السابقة خارج مدى التحقيب بالمعنى التأريخي، القدر هو الذي حطني في هذا الزمن، لأكون من بين الشهود على ما عرفته الجزائر من تحولات، عقب استقلالها عام 1962، الذي كنت يومه طفلا احتفظت ذاكرته بكثير من المشاهد والصور للسنتين الأخيرتين من حرب التحرير بين أعوام (1954 1962)، التي ستكون "كولونيل الزبربر" منْشحنة بها. إنها إذاً جزء من تاريخي الممتد على فترة نصف قرن؛ بما حملته من أحلام وتشييد وأوهام وانتكاسات، وأخيرا من جراح عميقة بفعل محنتنا الوطنية التي امتدت لعشر سنين". نفي ويؤكد الحبيب أن الجزائر لم تعش حربا أهلية بالمعنى السياسي والعقائدي، إذ لم تكن هناك طائفة أو إثنية أو جهة في مواجهة غيرها، ورواية "كولونيل الزبربر" توحي بأنها رواية تحتفي بجغرافية المكان، خصوصا أن لكلمة "الزبربر" في ذاكرة الجزائريين وقعا وجرسا مثيرين لفترتين مهمتين في تاريخ الجزائر المعاصر: الأولى، حرب التحرير، والثانية: المحنة الوطنية (العشرية السوداء كما تسمى أيضا). بين هاتين الفترتين، تتموضع الرواية وبهما تنشحن". صفات البطل ويرفض الحبيب أن تقدم "كولونيل الزبربر" بطلا للتمثُّل به، وهو يقول "أقدّر أنها رواية تقترح على القارئ وجهة نظر إلى حدث تاريخي من زاوية رؤية غير تلك التي كرسها الخطاب الرسمي لحرب التحرير نفسها. لكن إن كانت هناك صفات ل"النقيب بوزڤزة" في صفوف جيش التحرير ولابنه ال"الكولونيل جلال" خلال المحنة الوطنية، ولابنتهما الطبيبة "طاوس" الآن فهي الشهامة للأول والكفاءة للثاني والوطنية للثالثة، وطنية كانت المحرك لكل من والدها وجدها. لا شيء أضمن للبقاء في زمن العولمة والشمولية من تعضيد صلة الإنسان العربي بوطنه الأم". نضال وهامش وحول ما إن كان على الكاتب أن يكون مناضلاً أم على الهامش من أجل فنه، يقول "الكاتب بهذه الصفة النبيلة مناضل بكلماته، من أجل الحق والعدل والمساواة، وضد الهيمنة والطغيان والحروب بأنواعها.. هو أول مساندي العدالة، ومن ثمة فهو في الخضم، حتى ولو كان يعيش العزلة، التي هي من قدره، وعليه، فلا كتابة أدبية للكتابة ذاتها، لأنه حينها تصبح شيئا آخر لا يعني الإنسانية أو كتابة حيادية، إذ إن النص الروائي مثلا هو أول النصوص في الأثر اللغوي، الذي ينحاز للإنسان، لأنه منه ينبع وإليه يعود".