قادت مغامرات الصين اقتصادات العالم إلى تسجيل خسائر كبرى في أسواقها المالية، بعد أن حققت توسعا عالميا في تعاملاتها التجارية والصناعية، ما جعلها أكبر الأسواق في حجم التعاملات الخارجية من استيراد وتصدير، وأدى التوسع غير المحسوب وفقا لاقتصاديين تحدثوا إلى "الوطن"، إلى تباطؤ في النمو. ولم يشفع للصين حلولها التي وصفتها بالسريعة مثل خفض قيمة عملتها 3.5% في وضع حد لتباطئها الاقتصادي، الأمر الذي أربك الأسواق العالمية، خصوصا الأسواق المالية التي تتميز بالحساسية دون غيرها، حتى وصل تأثير ذلك إلى السوق المالية السعودية التي أغلقت على انخفاض حاد ب6,8%، في ظل ارتباط البلدين بتعاون اقتصادي كبير، لا سيما في مجال الطاقة. رغم الحلول الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الصينية وتحركها لمعالجة وضعها الاقتصادي عبر جملة من الحلول خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن تهورها خلال الأعوام الماضية في تحميل اقتصادها ما هو أكبر من طاقته، جر اقتصادات العالم إلى تسجيل خسائر كبيرة، بدأت تتضح ملامحها بشكل جلي مع نهاية الأسبوع الماضي. وأكد خبراء اقتصاديون ل"الوطن" أن الأزمة الحالية التي يمر بها الاقتصاد الصيني أثرت سلبا على الأسواق الخليجية والسوق السعودية على وجه التحديد، لا سيما أن الاقتصاد الصيني يعتبر من أكبر الاقتصادات العالمية بعد أميركا، حيث يعد من أكبر الأسواق التي تتعامل مع دول الخليج العربي. تباطؤ نمو وأوضح لمحلل المالي محمد الشميمري ل"الوطن" أن الاقتصاد الصيني يعاني حاليا من تباطؤ في النمو، بعد أن سجل تراجعا في الصادرات لمدة خمسة أشهر ماضية، وتراجع في الواردات منذ تسعة أشهر على التوالي، والتي تعتمد فيها على المواد الخام وعلى رأسها النفط ، موضحا أن استمرار التراجع ينذر بوجود مشكلات اقتصادية لدى الصين. وأشار الشميمري إلى أنه على الرغم من الإجراءات التي قامت بها الصين أخيرا للخروج من أزمتها، مثل تخفيض اليوان 3.5%، إلا أن الأسواق العالمية تأثرت سلبا حيث أغلق السوق الأميركي بتراجع 3.3% بخسارة تصل إلى تريليون دولار، كما انعكس ذلك على سوق الأسهم السعودية، الذي سجل تراجعا عنيفا مغلقا على تراجع ب6.8% إذ إن سوق الأسهم السعودية يتأثر كثيرا بالأسواق الناشئة وعلى رأسها الصين لأنها ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم. من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله باعشن ل"الوطن" إن ما يمر به الاقتصاد الصيني حاليا يعد نتيجة لتوسع الصين بحجم تعاملات وتوسعات اقتصادية أكبر من طاقة الاقتصاد نفسه في السنوات الماضية، مما أوجد نوعا من التضخم، مبينا أن الاقتصاد الصيني يمر حاليا بإعادة هيكلة لتجنب آثار النمو العالي. اقتصاد مؤثر وقال باعشن إن قيام الصين بخفض العملة أدى إلى زيادة الصادرات الصينية وخفض الأعباء المالية وبالتالي قلل ذلك من النمو الاقتصادي، مستبعدا أن يكون ذلك كسادا، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الاستيراد من الصين أصبح أقل من السابق سواء كان من السلع أو الخدمات أو من المواد الأولية كالبترول فتأثرت بالتالي الشركات في الدول المنتجة سواء في الولاياتالمتحدة أو في أوروبا أو في دول الخليج، خصوصا الدول المنتجة للنفط. ولفت الشميمري إلى تقارير مؤسسة النقد العربي السعودي التي ربطت فيها الاستقرار المالي الدوري لاقتصاد المملكة بالاقتصادات الناشئة، وعلى وجه الخصوص الاقتصاد الصيني، حيث يتأثر فيه الاقتصاد السعودي بشكل كبير، مبينا أن الصين تحاول تفعيل الكثير من أدواتها الاقتصادية لاحتواء الأزمة الحالية، مضيفا: "ولكن بلا شك الوضع الاقتصادي الصيني الحالي كان له تأثير ملحوظ على سوق الأسهم السعودية". وأكد الشميمري قوة الاقتصاد السعودي إذا ما أخذ بالاعتبار الاحتياطات العامة والدين العام الذي يعد الأقل عالميا باستثمارات خارجية وصلت لأكثر من تريليون ريال، مشيرا إلى أن جميع التقارير الصادرة تؤكد ذلك، مستشهدا بما نشرته وكالة التصنيف "فيتش"، التي خفضت النظرة للاقتصاد السعودي إلى نظرة "سلبية"، حيث ذكرت أن المملكة تستطيع باحتياطاتها وتصنيفها مواجهة انخفاض أسعار النفط. وقال باعشن إن الاقتصاد الصيني يعد من أكبر الاقتصادات بعد الولاياتالمتحدة، وبالنسبة لمنطقة الخليج يعد من أكبر الأسواق الاستهلاكية، مضيفا: "هذه الإجراءات أدت إلى تخوف المستثمرين في السوق المالي الصيني من انخفاض القيمة السوقية لأسهمهم، وبالتالي انخفاض العوائد التي تأتي من الشركات، مما أدى إلى خروج الكثيرين من المستثمرين في السوق الصيني، حيث يظهر تأثير ذلك بشكل أكبر على أسواق منطقة الشرق الأوسط خاصة في الدول المنتجة للبترول والبتروكيماويات". وأشار باعشن إلى أن تأثير هذه الأزمة على الاقتصاد الأميركي يتأتى من أن الكثير من الشركات الأميركية موجودة في الصين كشركات مصنعة وليست كمصدرة وهذه الشركات أصبح لديها مشكلات في عملية التصدير، وبالتالي قلة عملية الأرباح والسيولة لديها. أسوق حساسة وأوضح الشميمري أن أسواق الأسهم غالبا ما تكون حساسة ومتأثرة بالعوامل الخارجية ذات المدى الطويل مثل ما حصل نتيجة التباطؤ الحالي في الاقتصاد الصيني، ووصل إلى جميع أسواق الأسهم العالمية. واعتبر الشميمري أن المؤثر الرئيس على السوق السعودية هو حالة الهلع التي يمر بها، إلى جانب المحافظ التي لديها تسهيلات، مضيفا: "ومع هذا النزول المتسارع يكون هناك تسييل قسري من البنوك "طلب الهامش" وهو ما يزيد من الضغوط على السوق السعودية إضافة لعدم وجود أدوات تحوط في السوق السعودية من الممكن أن تقلل من حدة النزول". أما باعشن فقال إن ما يؤثر على سوق الأسهم السعودية حاليا ثلاثة عوامل، أولها انخفاض السوق لسبع جلسات متتالية أدت إلى أثر نفسي على المتداول وعدم الثقة والذي أنتج لنا حجم مبيعات أكثر من المشتريات، إضافة إلى آثار انخفاض سعر البترول الذي ما زال تأثيره مستمرا، إضافة إلى تباطؤ الاقتصاد الصيني.