أظهرت سياسة ربط الريال بالدولار الأميركي جدواها الاقتصادية خلال هذا العام الذي شهد انخفاضا في إيرادات المملكة من مداخيل النفط، وسط ثلاثة عوامل رئيسية تدفع المملكة إلى مواصلة هذا الربط منذ عام 1986، ألا وهي تسعير النفط بالدولار وكذلك المواد الخام، والحد من تذبذبات العملة. وبالتوازي مع الإجراءات التي اتخذتها المملكة أخيرا مثل السحب من الاحتياطي، وإصدار السندات الحكومية، برزت مخاوف من خفض قيمة الريال، إلا أن اقتصاديين استبعدا ذلك، في حديثهما إلى "الوطن"، مؤكدين عدم وجود دلائل أو مؤشرات لخفض قيمة الريال، إذ إن سياسة المملكة المالية مستمرة بالوتيرة نفسها، لا سيما أنها لم تتخذ أي إجراء في هذا الشأن مثل فك الربط أو رفع قيمة الريال مقابل الدولار خلال السنوات الماضية التي شهدت ارتفاعا في أسعار النفط ونموًّا في حجم الاحتياطات. عوامل رئيسية المحلل المالي محمد الشميمري أكد ل"الوطن" أن سياسة المملكة في ربط الريال بالدولار عائدة لعوامل اقتصادية أساسية، يأتي على رأسها اعتماد اقتصاد المملكة بشكل كبير على النفط المُسعر بالدولار، حيث تصل نسبة الصادرات النفطية لأكثر من 85%، إضافة إلى عامل آخر وهو أن الربط يحد من تذبذبات العملة. أما الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله باعشن فقال ل"الوطن" إن العوامل الاقتصادية هي من يحدد أسعار العملة، مثل قوة الاقتصاد وحجم الإيرادات وارتباط الاقتصاد المحلي بالعالمي، مضيفا: "ولو نظرنا إلى تلك العوامل نرى أن الاقتصاد السعودي يمر بمرحلة قوية على الرغم من انخفاض الإيرادات كما أن لديه احتياطات كبيرة، في حين أن النفط يسعر عالميا بالدولار، وقد حاولت دول سابقا كفنزويلا والعراق وليبيا تعديل تسعير النفط ولكنها لم تستطع، وفيما يبدو سيبقى الدولار هو العملة الأساسية على المدى القصير والمتوسط، وبالتالي فإن عملية ربط الريال بالدولار في الوقت الحاضر مجدية اقتصاديا لقوة الدولار ولتسعير النفط بالدولار في الأسواق العالمية". خفض الريال وعن خفض قيمة الريال، أشار الشميمري إلى أن تقرير "دويتشه بنك" الأخير يرى أن المملكة ستبقي ربطها بالدولار، مضيفا أنه لا توجد أي دلائل على تخفيض قيمة الريال، وأن المملكة مستمرة بسياستها نفسها بإبقاء ربط الريال بالدولار. ويتفق باعشن مع ما ذهب إليه الشميمري، قائلا إن التفكير بخفض العملة أمر مستبعد، لأن معدل التضخم ليس كبيرا والدولة تنعم بملاءة مالية قوية ومشاريع التنمية تسير وفق ما هو مخطط لها. ووضع الشميمري مقارنة بين المملكة والصين، إذ قال إن بكين خفضت عملتها لأنها تعتمد على التصدير في السلع والخدمات، لذا فالمصلحة الاقتصادية تحتم عليها خفض العملة، ولكن المملكة ليس لديها سوى النفط والبتروكيماويات للتصدير، والتي تسعر قيمتهما بالدولار، ما يعني أن تخفيض العملة سيؤدي إلى التضخم، وهو أمر غير مرغوب فيه في الاقتصاد السعودي. وأوضح أن ربط الريال بالدولار له فوائده وله مضاره الاقتصادية أيضا، إلا أن الحل لن يكون بفك الربط، ولن تتحسن حينها أسعار النفط التي ترتبط بأسباب أخرى، إذ سيتسمر تسعير النفط بالدولار، وسيستمر بيع المملكة للنفط بالدولار حتى لو تم فك الربط. الاحتياطات المالية وأشار الشميمري إلى أن انخفاض أسعار النفط كان له تأثير واضح على الاحتياطات الخارجية للمملكة، حيث تم سحب جزء منها احتياطات وتغطية جزء من المصاريف عبر إصدار السندات، ولكن ما زالت الاحتياطات كبيرة، حيث تصل إلى 670 مليار دولار، فيما تشير التوقعات إلى أن تقدير الميزانية وصل إلى 830 مليار ريال، فيما قدر العجز ب260 مليار ريال، وذلك بسبب نزول أسعار النفط، ويتوقع أن يغطى جزء منه بما يصل إلى 40% بإصدار السندات. مواصلة الربط ولفت الشميمري إلى تصريحات حكومية سواء من وزارة المالية أو مؤسسة النقد، والتي تؤكد على أهمية إبقاء ارتباط الريال بالدولار، مبينا أن فك الارتباط بالدولار سيؤدي إلى خفض قيمة الريال، وبالتالي اعتماد قيمة الريال على المعطيات الاقتصادية المحلية التي منها دخل المملكة ومعدل الفائدة. وحول تأثير هذا الارتباط في ظل الوضع الاقتصادي الراهن وانخفاض أسعار النفط قال الشميمري إنه مما لا شك فيه أن هبوط النفط سيؤثر سلبا على اقتصاد المملكة ويتوقع أن يكون هناك عجز أكبر مما ذُكر في تقرير وزارة المالية، إلا أنه أكد أن أسعار النفط وكل المواد الخام مسعرة بالدولار، وهو ما يعني أن ارتباط الريال بالدولار حاليا يعد أمرا مجديا في ظل أيضا ارتفاع قيمة الدولار. فوائد الربط ويرى باعشن أن المستهلك السعودي مستفيد من الربط بالدولار في الوقت الراهن، خاصة أن كثيرا من الدول خفضت عملتها في الصين وأوروبا نتيجة للأزمات المالية التي مرت بها، الأمر الذي يجعل المستهلك السعودي يستورد السلع بأقل مما كان يستوردها في الفترة الماضية. يذكر أن سعر صرف الريال أمام الدولار تم تثبيته عام 1986، وتم تحديد سعر الصرف بما يساوي 3.75 ريالات للدولار، وطوال هذه المدة لم يتغير سعر الصرف إطلاقا، رغم أن الاقتصاد السعودي مر بمراحل متعددة، كما أن هذا الربط يجعل الدولار عملة المملكة في تعاملاتها الخارجية.