أرجعت الشاعرة السودانية روضة الحاج سبب قلة ظهور شاعرات في الوطن العربي إلى أنها ظاهرة كونية في العالم، لكن بالنسبة للحالة العربية هناك شاعرات أكثر بكثير من اللائي نعرفهن قديماً أو حديثًا. واستشهدت روضة بما ذكره أبو الطيب المتنبي من أنه حفظ لمئتي شاعرة قبل أن يكتب الشعر، ولم يوصل لنا التاريخ سوى القليل منهن، وفي الوقت الراهن سقطت الحواجز التي كانت تحول بين أدب النساء وما يكتبنه، إلا أن الأسماء القادرة على الاستمرار والتميز ونقل نبض وصوت ولغة الأنثى قليلة جدًا حتى على مستوى الإنسانية جمعاء. ونفت روضة التي كانت تتحدث في أمسية "ملتقى جواثى الثقافي" بالأحساء الثلاثاء الماضي، ما يتردد بأن "المرأة قصيدة ولا تستطيع أن تعيد كتابة نفسها ثانية"، معتبرةً أن هذه الطرح تفسير فنتازي لا غير، وفيه بعض الخبث البعيد، ورجحت أن تكون هناك أسباب أخرى إذ لا تجد عيبًا كبيرًا مع قلة أسماء الشاعرات مقارنة بما تقدمه هذه الأسماء من نتاج جيد ومميز ويترك بصمة في الشعر العربي. وحول تفوق الشعراء الرجال في صورهم وذائقتهم الشعرية وجرأتهم في التعبير عن المخيلة العامة وأنهم يقولون ما لا تستطيع الشاعرات قوله، أكدت روضة بأنها سترضي غرور الرجل إذا أجابت بنعم وهو يريد ذلك ولكنها ستجيب ب"لا" وهي ليست للمكابرة ، ولكنها توقن بأن مستوى التلقي له قياساته التي تنطبق هي نفسها على الجنسين، بل تذهب إلى أكثر من ذلك وهو تبنيها بأن اللغة أنثى؛ لأنها كبرت أي اللغة وترعرعت وازدهرت في حضن النساء؛ فهن اللائي أنجبنها وربينها وأشرفن على تربيتها وتناسلها ورعين جمالها حتى كبرت، وبهذا المعنى فإنَّ المرأة أقرب إلى اللغة والقصيدة معًا وكذلك الصورة، وبالتالي فإن مخيلة الرجال هي أنثوية بالضرورة، فاللائي فتحن لنا الأفق رجالاً ونساءً على التخيل والصورة والمجاز والشعر هن نساء، إما أمهات هدهدننا بأغان وترانيم، وإما جدات حكين لنا في ليالي السمر. وفي سؤال "لماذا تهرب الشاعرة من كتابة قصيدة الوجدان أو الغزل؟" أجابت روضة الحاج: "ليست المرأة الشاعرة عاجزة عن ذلك، بل لأن المجتمع تربى على تفسير كل ما تنتجه النساء على أنه سيرة ذاتية،-والشعر أبعد ما يكون وأسمى من أن يكون كذلك- ولأن المتلقي يبحث دائمًا عن قصة أو مناسبة القصيدة، وهذا أمر سخيف على حد وصفها ، بل إن تفسير كل قصيدة على أنها سيرة حياة أو تجربة شيء يبعث الخوف في قلوب الشاعرات أو حتى الكاتبات، إلا من امتلكن تلك الجرأة على ما يقوله القارئ وعدم الاهتمام به؛ لكن الكثيرات يراعين ذلك، لأن لدينا أبناء وأزواج وإخوة، وتركيبة المجتمع تفرض عليك هذا الحصار، فنحن بحاجة إلى أن يتفهم المجتمع طبيعة ما تقدمه النساء وأن تقرأ هذه النصوص النسوية قراءة عميقة تبحث عن جوهر الأنثى وأشجانها وعن علاقتها بالناس والحياة، و رؤيتها للعالم بعيدًا عن هذه النظرة القاصرة التي تفسر كل شيء في حدود السيرة الذاتية والتجربة الشخصية.