ورحل سعود الفيصل.. ذاك الرجل الذي عاش في "بوتقة" السياسة والدبلوماسية أعواماً عديدة، وإن كان للسياسة من "وجه طاهر" فإنّه "سعود الفيصل..! رجلٌ زاوج بين الدبلوماسية بخبثها ولؤمها وبين المثل العليا للتعامل الإنساني. رحل سعود الذي كان يُعدّ أحد أشهر وزراء الداخلية على مستوى العالم بل والتاريخ فهو أطول وزير خارجية عرفته الدبلوماسية العالمية بعد أبيه الذي أدار الدبلوماسية السعودية على مدى 44 عاماً، خلف والده وهو شاب، وبعد أن أنهكته سنون العمل الطويلة اختار أن يترجّل بعد أن نذر نفسه ووقته لخدمة وطنه وأمّته العربية والإسلامية. رجلٌ لا يختلف عليه اثنان.. حتى من اختلفوا معه واختلف معهم. يعرف له الجميع "عفّة" لسانه، ورباطة جأشه، وأنفته.. وصفه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بأنه الرجل "الأمين" والرجل "الدؤوب".. كان وزير خارجية لكلّ "العرب" إذا اشتدّ عليهم بأس الغرباء أو طالتهم يد "الأعداء"، كان ينبري في كل محفل لقضاياهم، يدافع، ينافح، يكافح، يوظّف علاقاته من أجل الأمّة، لم نسمع يوماً ما أن شكّك أحدٌ في ذمة "الفيصل" أو اتهمه بالتخاذل، بل الجميع يثني عليه، فهو من أخرج "لبنان" وجنبها ويلات الأزمات في مراتٍ كثيرة، مواقفه في العراق وسورية واليمن وحتى مع محيطه الخليجي تشهد له بصفاء النية وحسن تقدير الأمور، وكان لمصر نصيب الأسد من مواقفه المشرفة التي سبقه من قبلها والده الملك فيصل، رحمه الله، الذي قطع البترول عن أميركا والغرب في حرب أكتوبر 1973، ولا تنسى "مصر" موقفه المشرف من ثورة 30 يونيو وكيف أنه غير نظرة كثير من الدول الغربية لهذه الثورة، وقبل أن تتدخل تلك القوى في الشأن المصري وهو بذلك كان صمام أمان للعلاقات العربية مع الغرب بحكم ما يعرفه عنه الغربيون من صدق في القول ووفاء في العهود. عُرف عنه "الرقي" في التعامل حتى وان اشتدت حمى "الاجتماعات" أو "المفاوضات" كان يتميز بثبات مواقفه دون ابتذال ودون تجريح لمن يخاطبهم، لم يكن "سعود" لينحني لأي عاصفة تضر بمصالح وطنه، أو تُنقص من قدر أمته، فيه أنفة "العربي" الشهم الكريم العفيف : هزّ المرض راسه ولا مال راسه.. وقفة جبل دون الوطن لأربع عقود تدرون من يملا عيون السياسة.. سعود.. ما قبله ولا بعده سعود رحم الله "سعود الفيصل" فقد كان رجلاً تهابه الأمم..!