عادة ما يشكو كثير من طلاب الدراسات الأدبية في الجامعات السعودية من جمود وتقليدية المناهج الدراسية المقررة عليهم وعدم تحديثها بما يتناسب مع الحركة الأدبية، لكن لكل قاعدة استثناء ومن الاستثناءات القليلة في جامعاتنا تجربة لأستاذ السرديات بجامعة الملك عبدالعزيز الناقد والقاص الدكتور حسن النعمي في تضمين المناهج الجامعية التي يدرسها روايات ومجموعات قصصية وكتب نقدية حديثة تساعد على ربط الطلاب بالحركة الأدبية الحديثة. "الوطن" حاورت الدكتور النعمي عن بعض ملامح تجربته في تدريس الأدب الحديث، وكيف تغلب على بعض العقبات التي يشكو منها بعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية في جانب صناعة منهج يتوافق مع المرحلة. كيف تقيم تجربة إضافة قراءات في الإنتاج الأدبي "السردي" ضمن المنهج الدراسي لمواد الأدب العربي رغم أنها ليست ضمن الخطط التقليدية للمناهج في بعض الجامعات؟ المنهج الجامعي يعطي عادة مفاتيح أولية للمعرفة ويوجه الطالب للقراءة المنهجية، لكن دون التوسع في قراءات مفتوحة خارج إطار المنهج، من هنا فتفهم أستاذ المادة لقيمة القراءة الموازية للمنهج تمنح الطلاب مسارا يكون جديدا بالنسبة لهم ويكون شاقا في البداية، لكن نتائجه كبيرة ومؤثرة في بلورة وعيهم وخصوصا عندما تكون اختيارات مواد القراءة من روائع الفكر الإنساني المشهود لها بالإسهام الأدبي والفكري والحضاري. هل واجهت أي عقبات أو انتقادات من جهة القسم العلمي في الجامعة، أو من بعض أعضاء هيئة التدريس الذين يهاجمون الإنتاج الروائي والقصصي المحلي من زوايا أيديولوجية لا إبداعية؟ العمل دون ضجيج أو ادعاء يترك دائما الأثر دون أي آثار سلبية على التجربة وهذا ما انتهجته مع طلابي وطالباتي، إذ أوجههم لقراءات لها صلة بمواضيع المنهج بوصفها تطبيقات لما يدرسه الطالب في المنهج، فيتحقق الأمر بوصفه أمرا تكامليا وهو كذلك في حقيقة الأمر، إذ الغاية ربط الطالب بواقع الحياة الأدبية من حوله. ما أبرز الروايات والمجموعات القصصية التي ركزت عليها وما المحددات التي اعتمدت عليها في اختيار العمل الأدبي؟ شرفت في سنوات مضت بالتدريس لثلاث مواد هي "الأدب الحديث"، و"الأدب السعودي"، و"نظرية الأدب"، ولأن كل مادة لها سياقها المختلف فكان اختيار القراءات الخارجية وفقا لطبيعة المادة. ففي الأدب الحديث كان الاختيار منصبا على الرواية العربية، مثل رواية "اللص والكلاب"، و"زقاق المدق" لنيجب محفوظ، و"الحرب في بر مصر" ليوسف القعيد، و"الزيني بركات" لجمال الغيطاني، و"رجال في الشمس" لغسان كنفاني وغيرها. وفي الأدب السعودي، وجهت الطلاب لقراءة مجموعة روايات منها "ريح الكادي" لعبدالعزيز مشري، و"الحزام" لأحمد أبو دهمان، و"رعشة الظل" لإبراهيم الناصر، وغيرها. أما في نظرية الأدب، وجهت الطلاب للقراءة في روايات الآداب العالمية، مثل رواية "العجوز والبحر" لإرنست همنجواي، و"البؤساء" لفيكتور هيجو، وبعض قصص سومرست موم. هل اكتشفت أسماء إبداعية أو نقدية جيدة أصبح لها حضور في الساحة الأدبية السعودية. ومن أبرزهم؟ المهم في التجربة أنني فتحت نوافذ من ضوء لهؤلاء الطلاب.. والحقيقة أنني أرى القارئ أهم من الكاتب فهو الذي يصنع المعنى النهائي للنص وللحياة، فكم من قارئ سلك بوعيه سلم الحياة، فأثر في مجاله خير تأثير. ومع ذلك فكثير ممن شرفت بتدريسهم واصلوا قراءاتهم نتيجة لهذه التجربة التي أخرجتهم من أطر المنهج إلى فضاء العالم، فمنهم من أصبح مبدعا ومن هم من أصبح أكاديميا، وهذه تحسب لهم، إذ ما قمت به كان مجرد توجيه، لكنهم استفادوا وقرأوا وأبدعوا، فالجهد لهم والانتصار كذلك. كيف ترى حرية الأكاديمي السعودي خصوصا الأديب في صناعة منهج يمثله ويعكس قدراته العلمية.. وهل هو مقيد بمنهج تقليدي لا يستطيع الخروج عنه؟ المنهج إطار عام لا يقيد ولا يحرر، بل يقنن المعرفة في الحد المطلوب تقديمه. الدور المنوط بالأستاذ أكبر من المنهج فهو من يصنع المعرفة لا المنهج، فكلما كان الأستاذ طموحا ولديه مقومات الرؤية يستطيع أن يستخدم المنهج لتحفيز الطلاب على مزيد من الأسئلة المعرفية، وذلك بمزيد من القراءات التي ترتبط بالمنهج حتى تتحقق الفائدة من اللقاء بين المنهج والطلاب والأستاذ.